مختار الخلفاوي مُقدّما اصدارا عن كتاباته: "حشاد الذي نعرفه غير حشاد الذي تكشفه مقالاته"

الشعب نيوز/ (وات) - قال الأستاذ والكاتب مختار الخلفاوي، إن "الصورة التي نعرفها عن فرحات حشاد هي صورة الزعيم النقابي والمناضل الوطني، أما الصورة التي يكشفها كتاب "في فكر فرحات حشاد - مقالات 1949"، فهي صورة حشاد الكاتب الصحفي والمفكر الاجتماعي والسياسي"، مضيفا أن "ما نجده في هذه السلسلة من مئات المقالات يجعلنا ننتقل من حشاد الذي نسمع عنه… إلى حشاد الذي نسمع منه".
جاء ذلك خلال لقاء احتضنته اليوم قاعة الريو بتونس العاصمة لتقديم الجزء الجديد من سلسلة "فكر حشاد"، وهو عمل حققه الأستاذ الأسعد الواعر وصدر عن دار محمد علي للنشر، وجاء اللقاء في إطار إحياء الذكرى الثالثة والسبعين لاغتيال الزعيم النقابي فرحات حشاد (2 فيفري 1914 - 5 ديسمبر 1952).
مقالات في 3 أجزاء
وفي كلمته خلال تقديم هذا الإصدار، أكد مختار الخلفاوي أن هذا الكتاب يمثل جزءا من مشروع بحثي واسع يهدف إلى جمع مقالات حشاد المنشورة في الصحافة التونسية والفرنسية بين منتصف الثلاثينيات وبداية الخمسينيات، مبينا أن السلسلة تضم إلى حد الآن ثلاثة أجزاء تشمل مقالات سنوات 1935 و1948 و1949، في انتظار صدور أجزاء أخرى ستوثق ما كتبه حشاد في 1950 و1951.
وأوضح أن عملية حصر مقالات حشاد ليست عملا يسيرا لأن كتاباته منشورة في صحف متعددة بعضها اندثر وبعضها يتوزع بين أرشيفات تونسية وبين الأرشيف الفرنسي، مشيرا إلى أن الأستاذ الأسعد الواعر "بذل جهدا كبيرا في التتبع والفرز والمقارنة والترجمة، وهو جهد استغرق سنوات طويلة ولا تتوفر له عادة إلا مؤسسات بحثية كاملة".
650 مقالا، كتب 80% منها باللغة الفرنسية.
وكشف الخلفاوي أن مجموع المقالات التي جُمعت في الأجزاء الثلاثة الأولى من السلسلة بلغ نحو 650 مقالا، كتب 80% منها باللغة الفرنسية. وقد لاحظ أن هذا الكم من المقالات يعكس تعدد أدوات التعبير لدى حشاد واتساع دائرة قرائه في فترة الاستعمار. وأضاف أن هذه النصوص "تغيّر الصورة التقليدية للزعيم النقابي وتظهر فرحات حشاد صحفيا بارعا ومفكرا اجتماعيا وسياسيا يتناول قضايا العمال والتعليم والحريات العامة ويرصد تحولات العالم وحركات التحرر".
وأشار إلى أن حشاد كان يكتب بوتيرة شبه يومية رغم التزاماته النقابية الثقيلة، وأن بعض الأيام كانت تشهد نشر مقالين أو أكثر له في الصحف الصادرة بالعربية أو بالفرنسية، لافتا إلى أن "شغله الميداني لم يمنعه من إنتاج فكري غزير يشهد على وعي سياسي مبكر واستشراف اجتماعي واقتصادي واسع".
وتوقف الخلفاوي مطولا عند التحول الفكري الذي ميّز مسيرة حشاد، مبينا أن مقالاته الأولى في أواخر الثلاثينيات تُظهر شابا في 24 من عمره يفكر بعمق في قضايا الهوية والعمل النقابي والوحدة العمالية، قبل أن تتطور أفكاره بشكل لافت بعد 1946 باتجاه تعزيز استقلالية العمل النقابي ودعم المشروع الوطني التحرري.
الاتحاد ممنوع في الاذاعة
وفي هذا السياق، ذكّر بأن حشاد "كان في بداياته يعتبر إنشاء نقابات مستقلة خطوة مهددة للوحدة النقابية، لكنه سرعان ما أعاد النظر في هذا الموقف مع تطور الأحداث وصعود الحركة الوطنية"، لافتا إلى أن هذا التحول الفكري "يؤكد أن حشاد لم يكن شخصية ثابتة وإنما هو نموذج للفاعل التاريخي المتطور مع السياقات".
واستعرض الخلفاوي بعض الأمثلة على الأساليب التي اعتمدها حشاد في كتاباته، موضحا أن مقالاته تجمع بين الحجاج العقلاني والمعطيات الرقمية والقدرة على التأثير المباشر. وذكر من بينها مقال "الرقابة على الإذاعة والحقائق المرّة" المنشور في جريدة الحرية، والذي انتقد فيه حشاد الرقابة التي كانت تمنع الاتحاد العام التونسي للشغل من إيصال صوته عبر المحطة الإذاعية التونسية، معبرا عن استياء العمال الذين كانوا ينتظرون سماع أخبار منظمتهم بلا جدوى.
مصادر معرفية جديدة
وأشاد الخلفاوي بعمل الأستاذ الأسعد الواعر، مبرزا أن تجميع هذه النصوص في كتاب واحد يعتبر خدمة لذاكرة تونس الوطنية وتأسيسا لمصادر معرفية جديدة تسمح بإعادة قراءة تاريخ الحركة النقابية في البلاد. وأكد أن نصوص حشاد ليست متاحة على الإنترنت ولا في مصادر جاهزة، فهي تتطلب بحثا مضنيا في أرشيفات ورقية موزعة على عدة مؤسسات.
وختم الخلفاوي مداخلته بالتأكيد على أن أهمية هذا العمل تتجاوز قيمته التاريخية، إذ يتيح إعادة اكتشاف فرحات حشاد بوصفه مفكرا يربط بين الالتزام النقابي والمشروع الوطني وقضايا التحرر العالمية، داعيا الباحثين والطلبة والجمهور إلى قراءة هذه السلسلة "للانتقال من حشاد الذي نسمع عنه إلى حشاد الذي نسمع منه".
(وكالة تونس إفريقيا للأنباء)


