دولي

أسطول الصمود العالمي من أجل كسر الحصار على غزة وفتح ممرّ للحريّة

الشعب نيوز/ خليفة شوشان*- من ميناء سيدي بوسعيد مرورا بموانئ قمرت وبنزرت الجلاء وصولا إلى سواحل الهواريّة نقطة تجمع سفن الأسطول قبيل مغادرة تونس والانطلاق للالتقاء بالسّفن الإيطاليّة واليونانيّة في المياه الدوليّة والتوجّه إلى نقطة الالتقاء الأخيرة القريبة من مالطة حيث يلتقي جناحا المتوسط على قلب عامر بالقيم الإنسانيّة وعقل يدرك كنه حكمة الفاروق وهو يصرخ في وجه الظلم «متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا» وضمير لم ينل منه صدأ النفاق الدولي وإنكار العدالة وحقّ الشعوب في تقرير مصيرها.

الشعار «لا بدّ من غزّة وإن طال السفر» والهدف كسر الحصار وإيقاف الإبادة وفتح ممرٍّ للحريّة يسع كل أبناء فلسطين وفي مقدمتهم الماسكين على جمر الفاشيّة الصهيونيّة أبطال غزّة العزّة والإباء والصمود الأسطوري في وجه أبشع استعمار استيطاني تطهيري عنصري عرفته البشريّة.

أسطول الإرادة صرخة ضدّ الإبادة 

قرابة الأسبوعين من الاستعدادات المكثفة والمركزة على مدار الساعة من المشرفين التونسيين والأجانب للحدث العالمي، وقبلها أشهر من التنسيق التقني والتحضير اللوجستي واستكمال الإجراءات القانونيّة كانت أقرب إلى الصراع مع الوقت والظروف والاستنزاف المتواصل للمشرفين وللمشاركين. ظلت خلاله أنظار وأفئدة الشعب التونسي بكل قواه وفي وحدة غير مسبوقة تعكس عمق إيمانهم بالقضيّة والحق الفلسطيني شاخصة نحو أسطول الصمود والمشاركين فيه من أحرار العالم الذين يمثلون أكثر من 40 جنسيّة وبلدا يتتبعون أخبار الأسطول وسفنه ويلبون نداءات المشرفين عليه لا يبخلون بالمال والوقت والجهد وبالحضور والتشجيع والدعم ورفع الهمم والدفاع المستميت عن رمزيّة هذا الأسطول الذي يحمل آمال كل أحرار الإنسانية.

ومنذ وصول طلائع سفن الأسطول العالمي القادمة من إسبانيا إلى السواحل التونسية يوم 07 سبتمبر 2025 والى حين خروج آخر السفن المشاركة يوم أمس 17 سبتمير 2025، لم يضنّ التونسيون على أسطول الصمود المغاربي والعالمي شعبيّا ورسميا بما ملكت أياديهم وما حملت صدورهم وأفئدتهم من محبّة وإيمان، رافعين الرايتين التونسية والفلسطينية في قبضاتهم والكوفية على أكتافهم، مرددين شعارات الحرية والنصر لفلسطين والعزّة لمقاومتها الباسلة والمجد لشعبها الصامد الصابر المكابر، مدجّجين بالأمل في أن يكون الاسطول صرخة احتجاج إنسانية وملحمة نضال عالمية تنهي مجزرة العصر. 

نيابة عن شرفاء الإنسانيّة

معركة مبادئ وقيم يخوضها أحرار العالم نيابة عن كلّ شرفاء الإنسانيّة الذين احتلوا الشوارع والساحات حين استفزهم صمت العالم وأدمت ضمائرهم بشاعة المجازر التي ترتكب على مرأى ومسمع من المنتظم الدولي ومن المنظومات الحقوقية العالميّة المنافقة التي ابتلع قادتها ألسنتهم وحين تكلّموا كالوا بمكيالين وساووا بين الجلّاد والضحيّة، بين شعب يجترح المعجزات وهو يقاوم بلحمه ويكتب الملاحم بدمه لا شقيق ولا صديق يسنده إلا من رحم ربك وبين عدّو فاشستي عنصري إبادي مزوّد بأعتى الأسلحة وأرقى التكنولوجيات الاستخباراتية والعسكرية ومسنود من قوى الهيمنة العالمية وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية وأغلب الدول الغربيّة التي تسنده منذ طوفان الأقصى سياسيا وديبلوماسيا وعسكريا وتبرر جرائمه أمام صمت وعجز الدول العربية والإسلامية الخاوية عروشها إلا من العجز والخوف والتردّد رغم هول الإبادة ورغم التهديدات التي تحيق بدولها وشعوبها وقد باتت مستباحة وفي مرمى العدوان الصهيوني.

غزّة في قلب كلّ التونسيين

هبّة التونسيين رجالا ونساء شيبا وشبابا لتوديع المشاركين في أسطول الصمود العالمي والتي عكسها طوفان سيدي بوسعيد يوم 13 سبتمبر 2025 حيث يمّم الآلاف صوب الميناء، ستخلدها الذاكرة الوطنيّة والعربية والانسانيّة كما خلدّت من قبلها هبّتهم لاستقبال 8 آلاف فلسطيني من بينهم أهم قيادات منظمة التحرير الفلسطينية أبو عمار، أبو اللطف، أبو إياد، وأبو جهاد صيف 1982 ليستقروا فيها بين أبناء الشعب التونسي الى حين عودة المنظمة إلى الضفة الغربية وقطاع غزة. هبّة لم تنجح في إفسادها حبائل الكذب والإشاعات والتشكيك وهتك أعراض الأحرار المشاركين والنفخ في العثرات التي لا يخلو منها عمل بشري وتقزيم الإنجازات ولا دسّ السمّ في الدسم الذي تعمدته بعض الفضائيات والمواقع العربية والغربية للإيقاع بين الموقف الرسمي والشعبي المتماهي مستكثرة على الدولة التونسيّة وأبنائها أن يكونوا الحضن والرحم الذي حمل فكرة الأسطول البحري العالمي وشهد تشكلها وولادتها حدثا مزلزلا شدّ كل أنظار العالم وهزّ قلوب وضمائر أحراره الذين يمّموا في سفنهم نحو شواطئها التي احتضنتهم وشدّت أزرهم واستقبلتهم بالرايات والأناشيد وودّعتهم بالدموع والأمل المعقود في سفنهم حاملة لواء كسر الحصار على غزّة المحاصرة وأبنائها الذين يواجهون كيان شذّاذ الآفاق اللقيط نيابة عن البشرية قاطبة. ولا حجم الدعاية الصهيونيّة المضلّلة بكل أدواتها الدعائية المسمومة الظاهرة منها والخفيّة ولا تصريحات أراذلها ومجرميها مثل الإرهابي وزير الحرب الصهيوني المجرم «ايتمار بن غفير» الذي وصم المشاركين في الأسطول بأنهم «إرهابيون» وتوعّد «باحتجاز جميع النشطاء في سجني «كتسيعوت» و«دامون» الصهيونيين، ومعاملتهم معاملة سيئة» وأن الكيان «لن يسمح بعودة المعتقلين بهدوء كما في السابق» ولا شبهات جريمة الإرهاب والترهيب التي استهدفت سفينتين من الأسطول والتي تشير بعض المعطيات إلى أن الكيان قد يكون ضالعا فيها سواء مباشرة أو من خلال بعض أذرعه الاستخباراتيّة، في انتظار ما ستسفر عنه الأبحاث الأمنيّة التي رام من خلالها ترهيب المشاركين وحاضنتهم التونسيّة دولة وشعب ودفعهم إلى التراجع عن دعم الأسطول أو تعطيله ولكن الردّ الشعبي التونسي كان رسالة تحدّ واضحة أخرست العدوّ وأبواقه والحمقى الذين أجّروا ألسنتهم لخدمة أجنداته.

50 سفينة و40 جنسيّة

كانت اللجنة الدولية لكسر الحصار عن غزة قد أصدرت مساء الثلاثاء 16 سبتمبر 2025 بيانا صحفيا أعلنت من خلاله رسميا «إبحار سفن أسطول الصمود العالمي» معلنة «أن عددها يزيد عن 50 سفينة بشكل متتابع ابتداء من مساء الأحد 14 سبتمبر 2025 من عدد من الموانئ في كل من تونس وإيطاليا واليونان وليبيا بالإضافة للسّفن الإسبانية التي أبحرت من ميناء برشلونة مطلع الشهر الجاري ثم توقفت عدة أيام في موانئ تونس لأسباب فنية وتنظيمية قبل معاودة الإبحار من ميناء بنزرت شمال تونس». وأبرز بيان اللّجنة أنه «من المقرر أن تجتمع سفن الأسطول في نقطة التقاء قريبة من مالطا لتبحر معاً في اتجاه شواطئ غزة» وأنّها «تحمل على متنها كميات من مواد الإغاثة والأدوية وحليب الأطفال، ومئات من المتضامنين من أكثر من 40 دولة، منهم عدد كبير من النشطاء والمتضامنين العرب وعشرات الشخصيات العامة والنواب والأطباء ورموز المجتمع من دول شمال إفريقيا، بالإضافة إلى عشرات المشاركين من ماليزيا وتركيا فضلاً عن دول من كل قارات العالم».

البحر ممرّ للحريّة

أضافت اللجنة في بيانها أنه «من المتوقع أن يشكل هذا الأسطول بما يحمل من تجربة جديدة من حيث الضخامة والتنوع نقطة تحول في عمل المجموعات التضامنية المعنية بكسر الحصار البحري عن غزة» موضحة أن المشاركين في أسطول الصمود العالمي يهدفون إلى جعل البحر ممرًّا للحرية وطريقاً لأحرار العالم الذين يسعون إلى كسر الحصار وإجبار دولة الاحتلال على وقف جريمة الإبادة والتهجير ضدّ أهلنا في غزة» وبأنهم «سوف يدشّنون ممرًّا للإغاثة وإيصال المساعدات وأسباب الحياة لغزة». واعتبر البيان «أن ركوب البحر والمخاطرة بكل ما يترتب على ذلك من مواجهة مع الاحتلال ما هو إلا تلبية لنداء الواجب واستجابة لصرخات أطفال ونساء ورجال غزة الأبطال الذين يدافعون عن الوطن وعن كرامة الأمة ومعاني الإنسانية».

حماية دوليّة للمتضامنين

طالبت اللجنة «بحماية دولية للمتضامنين والنشطاء الذين يشاركون في هذه المهمة الإنسانية التي تهدف إلى كسر الحصار عن غزة وإدخال المساعدات وأسباب الحياة لمن يتعرضون للإبادة والتهجير. كما دعت الدول التي لها رعايا على متن هذه السفن بالتدخل لتسهيل مهمتها وإيصال المساعدات التي تحملها لغزة». وأكدت «أن أي محاولة للاعتداء على السفن وعلى النشطاء يعتبر جريمة كبرى ومخالفة للقانون الدولي الذي يمنع دولة الاحتلال من الاعتداء على السفن السلمية والإنسانية في أعالي البحار وفي المياه الدولية».

كل الأنظار مركزة على غزّة

دعا رئيس اللجنة الدولية لكسر الحصار عن غزة «زاهر بيراوي» الى «أن تظل كل الأنظار مركزة على غزة وما يجري فيها من إبادة وتدمير وتهجير وأن يظل الإعلام مسلطاً على فضح تلك الجرائم، وإذ ندعو لمتابعة مسار السفن فإن هذا ينبع من محاولتها وقف هذه المأساة وهو ما يعطيها أهميتها ولا ينبغي في الوقت ذاته إغفال ما يجري في غزة فهي أصل القصة وما فيها». كما «دعا شعوب العالم إلى تكثيف تحركاتها وبذل قصارى الجهد للضغط من أجل وقف هذه المقتلة الكبرى بحق الشعب الفلسطيني في غزة بكل شكل وكل وسيلة». وطالب «حكومات العالم العربي والإسلامي ومنظمة التعاون الإسلامي وجامعة الدول العربية بأن ترتقي في مواقفها إلى مستوى التهديد الذي تشكله دولة الاحتلال الصهيوني ومشاريعها في الهيمنة والتوسع، وإلى الاستجابة لنبض الشعوب والمبادرة بعمل حقيقيّ لوقف جرائم هذه الدولة المارقة والخارجة على القانون الدولي».

تحذير من استهداف الأسطول

الحراك الشعبي العالمي الذي عرفه «أسطول الصمود» وهو ينطلق في مهمته الإنسانيّة لرفع الحصار عن غزّة دفع وزراء خارجية 16 دولة عربية وأوروبية وإفريقية وآسيوية وأمريكية لاتينيّة تضمّ تركيا وبنغلاديش والبرازيل وكولومبيا وأندونيسيا وإيرلندا وليبيا وماليزيا وجزر المالديف والمكسيك وباكستان وقطر وعُمان وسلوفينيا وجنوب إفريقيا وإسبانيا إلى إصدار بيان مشترك يوم الثلاثاء 16 سبتمبر دعت فيه إلى «احترام القانون الدولي وتجنب الأعمال غير القانونية ضدّ أسطول الصمود العالمي الذي يهدف إلى إيصال المساعدات إلى غزة. وأعرب وزراء خارجيّة هذه الدول في البيان عن قلقهم بشأن أمن أسطول الصمود العالمي، الذي يشارك فيه مواطنون من بلدانهم. كما لفت البيان إلى أن أسطول الصمود العالمي يهدف إلى إيصال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، وخلق وعي بشأن الاحتياجات الإنسانية العاجلة للشعب الفلسطيني وضرورة إنهاء الحرب في غزة. وأكد البيان أن هدفي السلام وإيصال المساعدات الإنسانية، إلى جانب مبدأ احترام القانون الدولي، بما في ذلك القانون الإنساني الدولي، هي أهداف مشتركة بين حكومات الدول المذكورة آنفا. ودعا البيان إلى تجنب جميع الأعمال غير القانونية أو العنيفة ضد الأسطول، وإلى احترام القانون الدولي والقانون الإنساني الدولي» موضّحا «نذكّر بأن أي انتهاك للقانون الدولي، بما في ذلك الهجمات على السفن في المياه الدولية أو الاحتجاز غير القانوني، وأي انتهاك لحقوق الإنسان للمشاركين في الأسطول، سيؤدي إلى تحمل المسؤولية القانونية».

* نشر بالعدد المؤرخ في 18 سبتمبر من الشعب الورقية.