ما يُخيف فعلاً هو أن نُضعف أنفسنا بأيدينا، فنُسهّل الطريق على من يتربّصون ببلدنا.

الشعب نيوز/ باقلام النقابيين/ ات - في جلسة استماع حديثة للجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي (3 سبتمبر 2025)، طرح المرشّح لمنصب سفير الولايات المتحدة في تونس السيد بيل بازّي رؤية تبدو في ظاهرها داعمة للديمقراطية التونسية، ومؤكدة على أهمية تعزيز الشراكة مع تونس في ملفات الأمن ومكافحة الإرهاب والهجرة والاقتصاد.
قد تبدو بعض الجمل مألوفة في اللغة الدبلوماسية مثل دعم الديمقراطية”و “تعزيز الاستقرار”و“تقدير تطلعات التونسيين”… لكنها تخفي في طياتها ملامح لرؤية أخرى، ترى في الداخل التونسي هشاشة قابلة للتوظيف وفي موقع تونس الاستراتيجي مصلحة مؤكدة.
ومن هذا المنطلق تفرض الحقيقة نفسها:
لا يمكن الحديث عن الديمقراطية دون احترام حق الشعوب في إدارة شأنها العام بحرية واستقلالية. ولا معنى لـ “دعم خارجي” مصحوب بضغط سياسي، أو اصطفاف مع طرف على حساب آخر، أو محاولة لإعادة تشكيل الداخل وفق مصالح القوى المهيمنة.
لقد أثبت التاريخ – غير البعيد – أن الديمقراطية لا تُمنح و لا تهدى ولا تُفرض من الخارج بل تُنتزع وتُبنى من الداخل، عبر مسارات وطنية تُعبّر عن السياقات المحلية، وتستجيب لتطلعات الشعب، لا لوصفات المؤسسات الدولية أو أجندات الجغرافيا السياسية.
وفي هذا السياق، لا يمكن رفض الانفتاح و التفاعل مع العالم، بل يجب رفض أن يكون ذلك التفاعل مشروطًا، انتقائيًا، أو قائمًا على منطق الوصاية. فالشراكة الحقيقية لا تُبنى إلا على أساس الاحترام المتبادل، والمصالح المتوازنة، والاعتراف المتبادل بالسيادة الوطنية.
ما يجب أن يُقال بوضوح وبصوت عال اليوم، هو أن أخطر ما يهدد ديمقراطية ليس فقط الضغوطات الخارجية، بل السياسات المعتمدة داخليًا، والتي تفرغ الفعل السياسي من مضمونه، وتُقصي الفاعلين الاجتماعيين، وتُصحّر الحياة العامة من الوسائط والمؤسسات.
منذ سنوات، نعيش سياسة تقوم على تفكيك الأجسام الوسيطة السياسية والمدنية ، ورفض الحوار الاجتماعي، ومحاولات حثيثة لتهميش دور المجتمع المدني والمنظمات الوطنية.
ولعلّ أبرز مثال على ذلك ما يتعرّض له الاتحاد العام التونسي للشغل، من تضييق على دوره التاريخي، وتشكيك في مشروعيته، واستهداف للعمل النقابي بضرب الحق النقابي وحق التفاوض، وإلغاء الجلسات الصلحية في تجاوز واضح لكل ما راكمته تونس من تقاليد في الحوار و التشاركية إلى جانب تجاوز التشريعات المحلية والاتفاقيات الدولية …
إن شيطنة العمل النقابي، وإقصاء الفاعلين الاجتماعيين، ليست فقط خطيئة سياسية، بل خطر استراتيجي على استقرار البلاد والأمن الاجتماعي . لأن الغاء وتهميش وسائط الحوار يخلق فراغًا اجتماعيًا وسياسيًا، يُصبح معه البلد هشًا أمام الضغوطات الخارجية، ويمنح الآخرين مبررات جاهزة للتدخل في شؤونه.
ان السيادة لا تتجزأ بحيث لا يمكن أن نرفع شعار “السيادة الوطنية” في مواجهة الخارج، ثم نقبل تفردًا داخليًا في القرار السياسي، وتهميشًا للتعددية، ورفضًا لأي اختلاف أو نقاش عمومي.
ولا يمكن أن نُدافع عن الاستقلالية، بينما نقصى آليات البناء الديمقراطي من أحزاب، ونقابات، ومجتمع مدني.
إن السيادة تبدأ من الداخل، من التماسك الوطني، ومن احترام التعددية، ومن قدرة على إدارة الاختلاف عبر الحوار لا الإقصاء، ومن الإيمان بأن الأوطان لا تُبنى بالأوامر والمراسيم والشعارات بل بالخيارات والبرامج والمشاريع التي تتأسس على قاعدة التشاركية و التوافق والمشترك الوطني.
لا تُخيفنا خطابات السفراء ولا لجان الكونغرس، ولا نُراهن على رضا الخارج أو غضبه. ما يُخيف فعلاً هو أن نُضعف أنفسنا بأيدينا، فنُسهّل الطريق على من يتربّصون ببلدنا.
سهام بوستة، الامينة العامة المساعدة للاتحاد العام التونسي للشغل