حياة الإنسان لا تُقاس بالمال

الشعب نيوز / وسائط - نشر الدكتور بولبابة مخلوف تدوينة باللهجة الدارجة حول مشكل نقص الدواء ومشاكل التوزيد والجدل الدائر حول بلاغ وزارة الحة الذي يتحدّث عن "ترشيد استهلاك الدواء" وجاء فيها:
"لستُ expert en économie de la santé حتى أستطيع أن أفسّر الأمور كما ينبغي؛ فهناك من يدرُس هذا التخصّص أكاديميًا في Master، وقد يقضي عامًا أو عامين كي يفهم ويفسّر بعمق.
لكن قضية توفير الأدوية في تونس قضية طويلة ومعقّدة.
أوّل ما يجب تأكيده: حياة الإنسان لا تُقاس بالمال.
حتى لو كان الدواء يكلّف ملايين، فإنّ تقليص ألم المريض أو إضافة أيّام أو أسابيع إلى حياته مع أحبّته يظلّ أمرًا لا يُقدّر بثمن. حين يعيش المرء التجربة، سواء من موقعه كطبيب أو كأحد أفراد العائلة، لا تعود الكلفة مهمّة، بل يُقال ببساطة: "أعطوني الدواء". وحتى لو كان احتمال نجاح الدواء لا يتجاوز 1%، فإنّ الطبيب لا يستطيع إلا أن يطالب بتوفيره، وسيشعر بالخذلان حين يُرفض طلبه.
لكن على الجانب الآخر، هناك المسؤول الإداري أو الوزاري الذي يجد نفسه في موقع ingrat، مضطرًّا لتحديد أيّ الأدوية يمكن استيرادها ضمن ميزانية الدولة المحدودة. فهو يدرك أنّ أموال تونس ليست كأموال فرنسا أو الولايات المتحدة، وبالتالي لا يمكن جلب جميع الأدوية، ولا الأدوية الباهظة، ولا الحديثة، ولا بالكميات اللازمة.
لأقرّب الصورة: في تخصّصي، الطب النووي، هناك دواء جديد لسرطان الـProstate يُدعى PSMA 177lu.
هذا الدواء يُعتبر "dernier recours"، يُقترَح عندما تفشل Radiothérapie وChimiothérapie والجراحة.
كنتُ محظوظًا حين شاركت في essais thérapeutiques لهذا الدواء خلال عملي بالخارج (PSMAFore و PSMAddition). وقد جُرّب على مرضى كانوا شبه محكوم عليهم بالموت، بعد فشل معظم العلاجات، وطلبوا بأنفسهم المشاركة في التجربة. رأيتُ بعضهم يتعافى من السرطان (وطبعًا بعضهم لم يشفَ…).
تكلفة هذا الدواء تبلغ 90.000 أورو لستّ حصص، أي ما يقارب 300 مليون للمريض الواحد. أحيانًا ينجح، لكن غالبًا لا. ومع ذلك، فإنّ رؤية مريض يُمنَع من الموت تجعل دولًا مثل فرنسا تتبنّاه، في حين رفضت دول متقدّمة أخرى تغطيته واعتبرته غير remboursable، ليبقى متاحًا فقط لمن يملك ثمنه.
كطبيب نووي، أتمنّى أن يكون هذا الدواء متاحًا لمرضاي. وقد عرضناه مؤخرًا على الوزارة ضمن مجموعة مقترحات أخرى.
لكنني أعلم أنّنا في بلد يُعاني حتى من نقص في أدوية بسيطة مثل Colchicine التي لا يتجاوز سعرها بعض الدنانير.
لا يمكن أن أعيش في Désillusion وأطالب بدواء تكلفته مئات الملايين بينما الأدوية الأساسية مفقودة. لهذا السبب يعمل بعض أساتذتي جاهدين عبر التعاون مع Agence internationale de l’énergie atomique لإيجاد حلول تمويل. كما أنّني وزميلتي في Radiopharmacie نبحث عن إمكانيات التصنيع المحلي بعد استيراد المواد اللازمة. بل قدّمتُ مقترحًا للوزارة يتيح توفير الدواء لمرضى أجانب يدفعون ثمنه في تونس، كي نستثمر مداخيله لاحقًا لمرضانا.
الترشيد في استعمال الأدوية لا يعني اختيار "هذا يعيش وذاك يموت"، بل هو تنظيم القطاع ليُستعمَل الدواء بطريقة عقلانية.
مثلًا: إدخال تقنيات جديدة توفّر أدوية تعجز الدولة عن شرائها.
أو اعتماد Dépistage للتقصّي المبكر، ممّا يتيح اكتشاف السرطان في مراحله الأولى لدى المئات، فيتعافون بسرعة أكبر وتُجنَّب البلاد إنفاق مبالغ طائلة على علاجات متأخّرة.
أو اختيار الأدوية بحيث يمكن إنقاذ ألف مريض بدل مئة فقط.
لكن، بالرغم من ذلك، كثيرًا ما ترتكب CNAM أخطاء جسيمة.
ففي ما يتعلّق بالأدوية الباهظة مثل Immunothérapie لبعض مرضى السرطان، قد تكون ضرورية وindiquée ولا بديل عنها، ومع ذلك ترفض prise en charge. فيُجبَر المريض على اللجوء إلى القضاء الاستعجالي، وغالبًا ما ينصفه القاضي، لتُقدّم CNAM الدواء متأخرة. لكن هذا التأخير يُعتبر ظلمًا قاتلًا، إذ قد يكون الوقت الضائع crucial ويغيّر كلّ شيء.
ولا حاجة للتذكير بديون CNAM المتراكمة على المستشفيات منذ سنوات، وما يترتّب عليها من نقص في الأدوية والمعدّات. لهذا تبدو une refonte de la CNAM ضرورة عاجلة.
كلّ هذا رهن بتحسّن الوضع الاقتصادي العام، إذ أنّ ميزانية الصحة العمومية تراجعت طوال ما لا يقلّ عن عقد كامل.
وأضيف هنا فكرة صديقي الدكتور أيمن بتايب: تونس تمتلك إحدى أنجع المنظومات الدوائية في المنطقة، ووجود monopole للصيدلية المركزية جعل أسعار الدواء مرتبطة أساسًا بها، مانعًا المضاربة في الأسعار. بل بالعكس، بعض الأدوية الحيوية تُباع في السوق التونسية بأقلّ من كلفة تصنيعها بفضل الدعم.
المشكلة تكمن في تمويل الصيدلية المركزية وديونها لدى CNAM والمؤسسات الصحية، وليس في كسر الـmonopole كما روّجت بعض السياسات الليبرالية. الحلّ هو في تمويلها، وحوكمتها، وفتح نقاش مع الجزائر وليبيا وموريتانيا والمغرب لإنشاء صيدلية مركزية مغاربية تُشرف عليها الكفاءات التونسية، ما سيُخفّض أسعار الشراء ويُسهّل ولوج الأدوية لشعوب المنطقة، خصوصًا ليبيا وموريتانيا.
إلى جانب ذلك، يجب دعم صناعة الأدوية المحلية، خاصة المؤسسات التي تملك فيها الدولة حصصًا.
وفي الأثناء، لا حلّ أمامنا سوى الضغط والتشهير بكلّ عملية نقص في الأدوية، ومطالبة الدولة والوزارة بالالتزام تجاه المواطنين."
----------------------------
ملاحظة: تمذ تحويل الن من الدارجة التونسية إلى العربية عبر تطبيقة Chat gpt