آراء حرة

الدكتور بوجدارية : هذه أسباب فقدان الدواء

الشعب نيوز/ وسائط - كتب الاستاذ في الطب الدكتور رفيق بوجدارية نصا على صفحته الخاصة في موقع الفايسبوك حول النقص في الدواء وقدم رؤيته والاسباب والحلول ارتأينا نشره :

" الدواء في كلمتين : أزمة الدواء أو فقدان البعض منه بدأت سنة 14 ثم عادت سنة 18 ثم عادت منذ 23 و هاهي الآن  تعلن رسميا من طرف وزير الصحة .

هنالك أسباب ظاهرة و هناك أسباب باطنة لهذه الأزمة .

 فأما الظاهرة فثلاثة أسباب :

* عجز  الميزان المالي للصيدلية المركزية (ص م ت)  وهي المورد  الوحيد ، و رفض بعض المخابر  الأجانب إعطاء الدواء مالم يقع تسديد الديون المتخلدة
و هنا لابد من إستثناء مخابر البلدان الإسكندنافية التي واصلت تزويد ص م ت بالدواء. 

** بعض المخابر التي كانت مستقرة بتونس غادرت البلاد لأسباب إقتصادية و غير إقتصادية ، في حين أن بعض المخابر الأخرى توقفت عن صنع بعض الأدوية لأنعدام الجدوى المالية .
*** العنصر الثالث و هو كارثي و أعني به إستهلاك الدواء في تونس . أغلب الأدوية تسلم من دون وصفة طبية ، هناك دراسة تجعل تونس الأولى إفريقيا في إستهلاك المضادات الحيوية antibiotique , و حدث ولا حرج عن مضادات الالتهاب و الأوجاع و حتى بعض أدوية القلب و الشرايين في حين أن في فرنسا مثلا لا تحلم بالحصول على مضاد حيوي من دون وصفة ...في تونس ينتصب معين الصيدلي كطبيب ليقدم الوصفات...

أما الباطن و غير المعلن : فهما  أمران فأما الأول هو إنعكاس عجز الصناديق الإجتماعية على عجز المنظومة الصحية العمومية و على عجز الصيدلية المركزية بالتحديد  حيث أن لها ديونا ثقيلة متخلدة عند المستشفيات العمومية ، و إن عجز الصناديق ظهر بعد 2013  و لا بد من تدقيق لهذا العجز رغم إرتفاع كتلة الأجور ...و رغم تعهد حكومة الشاهد منذ 2018 من ضخ  مائتين مليون دينار كل سنة في مالية ص م ت الا أن هذا العجز يظهر بإستمرار رغم الترفيع الأخير في أسعار الأدوية المستوردة (60-40%) و هو ما يكشف  عمق الأزمة المالية التي تواجهها الص م ت . 

السبب الثاني الذي يجب أن يعرفه الجميع هو أن المنظومة الصحية تقدم في المستشفيات الجامعية خدمات علاجية متطورة و في مستوى التقدم العلمي ، كما أن الأمراض المعاصرة تستهلك أدوية باهضة الثمن و كذلك معدات dispositifs غالية و أعني هنا أمراض السرطان و أمراض القلب خاصة تسريح الشرايين التاجية و كذلك بعض الأمراض العصبية .

و هذا مبدأ غير قابل للنقاش أو التنسيب لأن الصحة حق للفقير و الغني و لأن الأخلاقيات الطبية و المسؤولية الطبية تقتضيان معالجة الناس على نفس المستوى في إحترام للتطور العلمي و الإستئناس بالتجارب الأخرى.و عندنا في تونس  مؤسسة INEAS  التي تعمل مع مختلف الجمعيات الطبية من أجل صياغة توجيهات علاجية و لكن يبقى مبدأ حرية إختيار الدواء لدى الطبيب مبدأ عالميا .

سبب آخر غير معلن و هو التهريب نحو بلدان الجوار و المسؤولية فيه جزائية و هي تجارة رابحة للمهربين لأن سعر الدواء رغم إرتفاعه النسبي يبقى منخفضا إذا قارناه بأسعار الدواء في الجوار .

هذا عرض لأسباب أزمة الدواء والتي تعود للواجهة كل سنتين تقريبا و التي تستحق مقاربة شاملة  و تعاونا بين الجميع و شجاعة في طرح المشاكل . تونس لها من الإمكانيات البشرية و الصناعية ما يسهل عليها الخروج من  هذه الأزمة و لكن بشروط عديدة غير عسيرة أولها الثقة و الرؤيا الواضحة.