يكتبون عنا: مسيرة 21 أوت 2025 بين التعبئة الاجتماعية والمراجعة الداخلية للاتحاد العام التونسي للشغل

[ الشعب نيوز/ يكتبون عنا: في هذا الركن المستحدث، ننشر ما يكتبه الناس عنا من صحافيين ومحللين ودارسين. في المقال الماثل امامكم، للاستاذ وسام عبد المولى، تحليل سياسي، سوسيولوجي وتفصيل لعدد من المجريات. كتب المقال باللغة الفرنسية، تحت عنوان : La marche du 21 aout : entre mobilisation sociale et révision interne à l'Ugtt واعتمدنا في تعريبه على تطبيقة Manus ]
ستبقى المسيرة النقابية التي نُظمت يوم الخميس 21 أوت 2025 حدثًا بارزًا، سواء بحجمها أو بدلالاتها الرمزية. فمن النادر أن تنجح منظمة في حشد مثل هذا الجمهور في جو من النظام والانضباط والحماس. وقد فرضت المقارنة مع التعبئات الكبرى للاتحاد العام التونسي للشغل في زمن الترويكا نفسها بشكل طبيعي في أذهان المراقبين. وتشهد كثافة الموكب، وحيوية الشعارات، والرضا الواضح على الوجوه على نجاح هذه التعبئة.
تنوع سوسيولوجي وتماسك جماعي
كان أحد أبرز الجوانب هو التنوع السوسيولوجي للمشاركين. رجال ونساء، شباب وكبار السن، عمال وموظفون وكوادر: بدت جميع الأجيال والفئات الاجتماعية ممثلة. وقد أظهر علماء الاجتماع، مثل إميل دوركهايم أو مؤخرًا آلان تورين، أن الحركات الجماعية تكتسب قوة خاصة عندما تجمع الناس متجاوزة الانقسامات المعتادة. في حالة هذه المسيرة، أثبت الاتحاد العام التونسي للشغل أنه لا يزال هيكلاً قادرًا على التوحيد، وخلق الروابط الاجتماعية، وإعادة تأكيد الذاكرة المشتركة.
كما يستحق المناخ الذي ساد في ذلك اليوم أن يُسلّط عليه الضوء. لم تقع أي مشاحنات أو اضطرابات عنيفة، بل على العكس، ساد جو من الانسجام والتماسك. تتماشى هذه الظاهرة مع تحليلات إرفنق جوفمان حول "طقوس التفاعل": في التجمعات السلمية الكبرى، يميل الأفراد إلى التواري خلف شعور بالانتماء الجماعي المشترك، مما يؤدي إلى ما أسماه دوركهايم "فورانًا جماعيًا" حقيقيًا.
تأطير محكم ورمزية متعددة
تميزت اللحظات الأولى للتجمع بأعلام وشعارات نقابية بحتة. وتدريجيًا، في الفضاء العام، تم التعبير عن مطالب أخرى، لا سيما من خلال لافتات تذكر بوضع السجناء. ويؤكد الحضور المكثف لقوات الأمن (الشرطة والجيش وحتى طائرات المراقبة بدون طيار) على أن هذا الحدث يتجاوز الإطار المطلبي البسيط. وكما كتب تشارلز تيلي في كتابه "الأداءات الخلافية" (2008)، فإن المظاهرات، بما يتجاوز شعاراتها، هي "عروض للذاكرة الجماعية" تبث رسائل متعددة إلى الفضاء العام.
وقد أكدت الإجراءات الأمنية المشددة حول الأمين العام (أربعة من أعضاء الحرس الرئاسي وما يقرب من عشرة من رجال الأمن بالزي المدني) حساسية اللحظة. كل تفصيل في التنظيم عكس الطابع الفريد لهذه المسيرة: لم تكن مجرد عمل نقابي، بل إشارة اجتماعية ورمزية كبرى.
الدور المتناقض للشدائد
يعود نجاح هذه المسيرة أيضًا إلى الاستفزازات الأخيرة. فالهجوم على مقر الاتحاد العام التونسي للشغل قبل أسبوعين، بعيدًا عن إضعافه، كان له تأثير متناقض: إيقاظ قوة كامنة. "شكرًا للأعداء العميان، لأنهم بغبائهم أشعلوا شعلة من جديد". يفسر علم النفس الاجتماعي هذه الآلية بظاهرة "المفاعلة" (بريم، 1966): عندما تتعرض مجموعة ما للاعتداء أو التهديد، فإنها تميل إلى تعزيز شعورها بالوحدة وإعادة تأكيد هويتها. وما كان يمكن أن يكون محاولة لإضعافها تحول إلى حافز لتعبئة متزايدة.
تحليلات نقدية ودعوة للإصلاح
يسلط تحليلان نُشرا مباشرة بعد الحدث الضوء أيضًا على أهمية هذه اللحظة:
أ- يلاحظ أ.أ.س: "بعد نجاح مسيرة الاتحاد اليوم، أتمنى أن تعيد الرئاسة حساباتها وتتجه نحو الحوار، وأن تخضع القيادة النقابية من جانبها لمتطلب الإصلاح".
ب- يرى ك.ب.ي: "نجح الاتحاد في تأطير التجمع العمالي والمسيرة بشعارات نقابية بحتة... وفشلت خطة الإخوان المسلمين وحلفائهم للاستفادة منها، مما دفع قناة الجزيرة إلى قطع البث المباشر".
تُظهر هذه القراءات أن المسيرة كانت في آن واحد استعراضًا للقوة النقابية واختبارًا للتماسك. كما أنها تؤكد على ضرورة قيام الاتحاد العام التونسي للشغل، دون تأخير، بمراجعات داخلية، سواء تعلق الأمر بأعضاء المكتب التنفيذي أو بعض المسؤولين الجهويين، لضمان تماسكه والحفاظ على شرعيته.
ذاكرة تاريخية واستمرارية
يشهد التاريخ التونسي على هذه الحقيقة: الوحدة والكرامة لا تُفرضان بمرسوم، بل تُصنعان في النضال. ذكّر بورقيبة في عام 1973: "من غبار الأفراد، من خليط القبائل والعشائر، التي كانت كلها منحنية تحت نير الاستسلام والقدرية، صنعتُ شعبًا من المواطنين". تعود الذاكرة حتمًا إلى عام 1952،
عندما سُجن بورقيبة، وحُلّت حكومة شنيق، واشتد القمع الاستعماري: أكثر من 20 ألف اعتقال، وحظر تجول، وعمليات تمشيط أوكلت إلى الفيلق الأجنبي. في هذا السياق، نجا رجلان فقط من الحصار: صالح بن يوسف، بفضل مهمته الدولية، وفرحات حشاد، بفضل شرعيته النقابية ودعم الاتحاد الدولي لنقابات العمال الحرة (CISL). أصبح الاتحاد العام التونسي للشغل آنذاك روح الكفاح الوطني، منظمًا الإضرابات، وأعمال التخريب، والاتصالات مع الخارج، والدعم اللوجستي للمقاومين. كان بالفعل "شوكة في حلق" المستعمر، ولا يمكن للتاريخ أن يطمسه.
هذه الاستمرارية ليست خاصة بتونس. في الثمانينيات، أظهرت نقابة "تضامن" البولندية، بقيادة ليخ فاونسا، أيضًا قدرة حركة نقابية على تجاوز المطالب المهنية لتجسيد قوة وطنية للتغيير. وكما أظهر إريك هوبزباوم (الأمم والقومية منذ 1780)، فإن الحركات الجماعية لا تستمر إلا إذا عرفت كيف تتكيف مع تحولات الزمن.
في 21 أوت 2025، ترددت في شوارع تونس وصفاقس دعوة مزدوجة: الذاكرة والمستقبل. لم تكن المسيرة نهاية، بل بداية، وإشارة موجهة في آن واحد إلى السلطة، والشركاء الاجتماعيين، والرأي العام. إنها تشكل ما أسماه مارسيل موس "ظاهرة اجتماعية كلية"، حيث تتقاطع الذاكرة التاريخية، والتعبير عن الصعوبات اليومية، وتأكيد الهوية، والتطلع نحو المستقبل. يبدو أن الاتحاد العام التونسي للشغل، الذي أيقظته الشدائد وذكّرته بتاريخه، مدعو أكثر من أي وقت مضى لكتابة صفحة جديدة. لكن هذه المسؤولية تتطلب توضيحًا داخليًا فوريًا وإصلاحًا واعيًا لهياكله. وكما قال فرحات حشاد، الشخصية المؤسسة وشهيد النقابية التونسية: "إذا متنا، فدافعوا عن ذكْرانا".