ثقافي

لا مذكرات " توفيق الجبالي "

الشعب نيوز / حسني عبد الرحيم - يصل "توفيق الجبالي" الآن لعمر ثمانين عامآ(لا أبْ لك يسأمِ) وهو في الحقيقة لم يسأم بعد مايزيد عن خمسين عامآ من العمل الثقافي المتمرد والخلاق ربما لا يذكر الكثيرون منه إلا "كلام الليل" التى كانت مسرحية معدة للرُكح نالت الجائزة الكبرى للمسرح التجريبي في القاهرة وتحولت لمسلسل تلڤزي مسرحي!

مايختص به توفيق وسط الجمهرة الكبيرة من العاملين بألمسرح وهو ممثل أولآ ومخرج ثانيآ وبين الحين والآخر ثم شاعر..مايميزه هو التمرد المستمر على الأساليب التى مارسها ويمارسها آخرون بإعتبارها المسرح لاغير!

الكتاب الذي يحمل توقيعه بعنوان "الموازي في أخبار المسرح النشازي ومهملات أخرى" كان من المتوقع أن يكون مذكرات ولكنه بتعبير "أندريه مارلو" -لا مذكرات-كشظايا كما هي أعمال "توفيق" الأخيرة "ثلاثين وأنا حاير فيه"و"التابعة" على الأخص .حيث لايمكن الحصول على دراما محكية بل شذرات من الحياة اليومية ومغامرة الحياة للفنان" توفيق الجبالي" وهذيانات أخرى تشكل"التابعة" والتى حلت بألبلاد والتي يسميها "هذه البقعة من العالم أنتهى أمرها"ويسمى معاصريها بأنهم البشر البشعين اللذين( لم يعد لهم لازمة في هذه المرحلة المنقرضة.

يستهل توفيق كتابه ببيان عن الذكاء الصناعي و"العالم الإفتراضي"واللذي خصص له التياترو يومين في الموسم المنقضي!واللذي بحسبه يفتح المجال المسرحي لحقبة جديدة من التركيب والإبداع لمسرح غير تقليدي وتفاعلي ليس به خشبة وجمهور بل الجميع متورطين في العرض مؤلفه ومتلقيه! وبتوقيع توفيق بأسم الذكاء الصناعي !هذا مجال للمناقشة وليس بألضرورة موافقة الكاتب على مايتصوره!فتوفيق مولع بألتغيير. متن الكتاب نفسه هو رحلة توفيق مع المسرح بدءآ من إصطحاب مدرس(يهودي) لهم للمسرح البلدي ليشاهدوا مسرحية فرنسية و جاء"علي بن عياد"بمسرحية"كاليجولا"والتى أدهشه فيها الفخامة في الملابس والديكور!النقطة المفصلية كانت" بيان ال11"بمفارقة مع ماسموه "المسرح البرچوازي" لبن عياد!ويضم الموقعين على البيان فاضل الجعايبي -فاضل الجزيري -جليلة بكار-إدريس-رجاء بن عمار-المنصف الصايم-توفيق الجبالي عبد الرؤوف الباسطي) ويسميهم الجيل التلقائي وهم من قامت على أكتافهم النهضة المسرحية قبل الأكاديمية وبعدها وهم باحثون عن التعبير الحر ومن ثمار هذا التحول المفاهيمي والفني" فرقة الكاف".

لم يتكيف" توتو" مع الدراسة الأكاديمية وتأتي تجربته الفرنسية في" جامعة فانسان"ثم مع "مجموعة العمل والنشر العربي بفرنسا" وبالذات الإحتكاك ب"الشيخ إمام عيسى وأحمد فؤاد نجم" و"الهادي قلة" وتباعده عن اليسار الإيدلوچي وعودته لتونس بناءآ على رغبة "محمود المسعدي" وزير الثقافة حينذاك ثم تأسيس المسرح الجديد.الإقامة بألقاهرة لعامين(1976- 1978) وقتها كانت المدينة تعج بتجارب مسرحية جديدة بألذات في "مسرح الطليعة" بقيادة المسرحي "سمير العصفوري" وبعدها يدخل المسرح المصري مرحلة" شاهد ماشفش حاجة" و"عادل إمام" والمسرح الكوميدي التجاري.

الإلتقاء من "منصف الصايم " و"رجاء بن عمار"و"رؤوف الهنداوي"ور"ؤوف بن عمر" و"جانيت ستيفنس" و"رضا بن سليمان" لتأسيس "مسرح فو" والإنقطاع ثم تأتي المرحلة الأهم بتأسيس "فضاء التياترو "مع الراحلة رفيقته "زينب بن فرحات"في عام 1987 بأمكانيات بسيطة وإفتتاح العمل الأول" مذكرات ديناصور" وتتوالى ثلاثون عامأ من التجريب والنجاحات والإخفاقات!

يتضمن النص المنشور تحليلات سريعة للإتجاهات الكبري للمسرح العالمي والعربي وتفاصيل عن المسارات المعقدة للمسرح في تونس في علاقته مع البيروقراطية والرقابة ورهاناتها السياسية،وطبعآ مع منظري الأكاديمية من الدكاترة النقاد.وصراعات العروض النقدية للرضع القائم ك"كلام الليل" والتي هاجمها بعض النقاد بإعتبارها إسفاف وضحالة وحوارها سوقي وبذئ. ثم الدخول في متاهات أمنية يخرج منها بسلام!ثم عرض "عطيل" في الهند والقاهرة حيث تتوج مرتين!

يتضمن" اللا مذكرات" تفاصل هامة وشذرات عن قضايا اللغة والثقافة والإحتراف والرقابة والتكوين المسرحي والإحتكاكات السياسية وتذكير ببعض المواقف للعديد من الفنانيين المسرحيين المعقدة من بين اللذين رحلوا وآخرون على قيد الحياة ويطرح ضمن ذلك سؤال جوهري:هل كان تأسيس المسرح التونسي خطأ تاريخي وسياسي؟

"لا فائدة ترجى من هذا الكتاب فلا هو إضافة، ولا حجر أساس،ولا إسهام نقدي ،ولا إستفزاز ،ولامحاولة ،ولا إجتهاد..!إنه فقط بعض "الذاكرة الخصبة"!هكذا يتكلم "الجبالي" عن كتابه والذي لعب فيه دور الممثل الهذلي الذي أجاده (البُهالي)!لكن الكتاب يمثل مرآة كاشفة مقعرة للمسرح التونسي ببساطة كاريكاتورية وليس تنظيرات متعالية.. تفاصيل عاشها الكاتب كمشارك وفاعل ومازال يكتشف المجال الذي عاش فيه ومن خلاله..ومازال يجرب أدوات من أجل التعبير الخاص والحر كم التواصل مع الجمهور!كما لوكان عجوز متهور وشجاع.