الطبوبي في غرة ماي 2024: كونوا، كما كنتم دوما، متّحدين في وجه الظلم والاستبداد والحيف
الشعب نيوز/ الفريق - خصص الاخ نورالدين الطبوبي الامين العام للاتحاد الجزء الاوفر من خطابه بمناسبة 1 ماي 2024 للمسائل الداخلية، الاجتماعية منها والاقتصادية والسياسية حيث قال أننا" آلينا على أنفسنا في تونس أن تستمرّ الحركة النقابية على نفس المبادئ وأن يسير الاتحاد العام التونسي للشغل على نفس القيم النضالية الوطنية والنقابية لتي تأسّس عليها، وأن يكون دوما اتحادا لتونس واتحادا لشعبها ولعمّالها يدافع عنها جميعا ضدّ كلّ استغلال وحيف واستبداد وهيمنة مهما كان مصدرها .
هذا عهدنا لكم أقسمنا عليه، إنّه نهج منظّمة حشّاد الذي تربّينا على نبراسه ونهلنا من تكوينه، الطبوبي في غرة ماي 2024.
ولن يلين لنا عزم مهما تكالب علينا الأعداء وتزايدت حملات التشويه والشيطنة، لأنّ قوّتَنا من قوّةِ خير عمّالها وصمودَنا من وحدة هياكلنا النقابية ونضاليّتهم، وهو ما جعل الاتحاد كلَّ هذه العقود يقف في وجه كلّ أشكال العسف لا تزعزعه العواصف، ولا يربكه التضليل ولا تحطّمه معاول التخريب، بل هي تقوّيه وتمتّن وحدته وتعزّز بنيانه وتغذّي فيه روح المقاومة وتجذّر دربه ورؤاه ومواقفه لتنحاز بلا مواربة إلى كلّ القضايا العادلة.
قضايا الشعوب التائقة إلى التحرّر والانعتاق
هذا ما دأبنا عليه وهذا ما سنستمرّ في تكريسه قولا وفعلا، لأنّنا مؤمنون أنّ هذه هي هويّة الاتحاد التي يسعى البعض إلى طمسها، ولن يفلحوا، ويحاولون تحييد النقابيين عنها، ولن يستطيعوا.
لقد كان لنا معكم لقاء نضالي يوم 2 مارس الفارط بساحة القصبة بالعاصمة، حيث تناديتم من كلّ الجهات للردّ على المشكّكين وللتعبير عن الاعتزاز بالانتماء إلى الاتحاد العام التونسي للشغل وتجديد العهد على الذّود عنه وعن تونس ولإبلاغ صوتكم عاليا أنّكم ، وأنّكم مستعدّون، إذا تواصل تجاهل مطالبكم المشروعة، للنضال من أجلها، وشهد الجميع يومها أنّ صوتكم قد كان قويّا عاليا موحّدا واضحا حازما، وبالتأكيد أنتم اليوم بمناسبة عيد العمّال تجدّدون التصميم على تبليغه لمن مازال إلى اليوم لم يتعلّم من التاريخ أنّ “ اتحادَنا قوّة لايمكن لمتعنّتٍ أن يتجاهلها مهما بلغ به الحمق والتنطع وفي صورة عدم إرضاء رغائب العمّال الشرعية فلا بدّ أن تتحرّك تلك القوّة لأخذ حقوقها بنفسها.” كما قال الزعيم فرحات حشاد.
مواصلة التجنّد للدّفاع عن حقوق العمّال
لذا نجدّد معكم العهد على الالتزام الواضح والصريح بضرورة مواصلة التجنّد للدّفاع عن حقوق العمّال بكلّ الأشكال المشروعة،
لقد سعينا طيلة الفترة السابقة على تجنّب أيّ توتير للأجواء، لا خوفا كما يردّد المشكّكون من هنا وهناك، بل حتّى نجنّب بلادَنا الهزّات في ظرف عصيب ودقيق استفحلت فيه الأزمة على جميع الأصعدة، وإنّنا نقول اليوم، ومن ساحة النضال ساحة محمّد علي، لكلّ من فهم الرسالة خطأ:
إنّنا سنتصدّى لكلَّ من يستغلّ الحالة الاستثنائية التي تمرّ بها بلادُنا ليمعن في التنكيل بالشعب وبالعمّال عبر إجراءات لا شعبية ألهبت الأسعار وأفرغت السوق من المواد وأثقلت كاهل الأجراء، مباشرين ومتقاعدين، بالضرائب وبشتّى أنواع الخصم وأنهكت العائلات بمزيد الأعباء أمام تردّي خدمات المرفق العمومي ودفعت عموم الشعب إلى تحمّل أعباء ما تفرضه هيمنة الخواص على جزء هام من مرافق التعليم والصحّة والنقل وغيرها، من أسعار ملتهبة وفواتير ثقيلة على حساب المتطلّبات الدنيا للحياة.
لقد بلغ تدهور الأوضاع الاجتماعية للعمّال ولعموم الشعب حدّا غير مسبوق ولم يعُد أحدٌ قادرا على تحمّله أو تبريره وقد آن الأوان لكلّ القطاعات والهياكل النقابية للنهوض للدفاع عن منظوريهم بكلّ ما أوتوا من عزم وقوّة وتصميم، لأنّ تفقير الشعب وتجويعه هو أمر موحش ليس له مثيل ولا يمكن الصمت عليه ولا تبريره بدعاوي التركة القديمة أو بالأزمات الإقليمية والدولية، لأنّ نصيب السلطة القائمة في تعمّق هذه الأزمة هو الأكبر وعليها أن تتحمّل مسؤوليتها خاصّة أنّها مصرّة على مواصلة صمّ الآذان عن كلّ مقترح وعلى تجريم كلّ نقد وعلى مواصلة التفرّد بالرأي والقرار.
فرض حقّ التفاوض وحقّ تقديم المطالب الاجتماعية
نقول لكلّ من يسخر من مطالبتنا بالحوار الاجتماعي: إنّنا مصمّمون على الحفاظ على أهمّ مكسب اجتماعي ناضلت من أجله أجيال ودُوّن في القوانين والتشريعات ولن نقبل أن يُفسخ بنزوة أو جرّة قلم، ولن ندّخر جهدا وقوّة ومسارا من أجل إعادة الأمور إلى نصابها وفرض حقّ التفاوض وحقّ تقديم المطالب الاجتماعية وحقّ تحسين أوضاع الأجراء.
ونقول لهم أيضا: إنّ للأجراء والمتقاعدين استحقاقات يجب تلبيتها وحقوقا يجب صونها ولن نقبل، كما لن يقبلوا هم، أن تُسحب تلك المكاسب لأنّها لم تأت مِنّةً من أحد بل جاءت وليدة جهد وعرق ونضال وتضحيات جسام.
ونقول أيضا إنّ لنا مصالح عمّالية ثابتة واتفاقيات ممضاة وعهودا مقطوعة والتزامات بيِّنة ومدوّنة قد وجب تنفيذها ولم يعد مقبولا الاستمرار في تجاهلها فضلا عن إنكارها وجحدها.
ونقول مجدّدا: إنّ التشغيل الهشّ من مناولة وحضائر وعمل وقتي وعقود غامضة، إنّما هي عبوديةٌ مقنّعة ومتاجرةٌ بالبشر لا مَرَاء فيها، وقد قاومناها لعقود ونجحنا في كثير من المحطّات ومنها المناولة التي مرّ اليوم أكثر من 13 سنة على الاتفاق على إلغائها في القطاع العام والوظيفة العمومية ولكنّ الدوائر الحكومية ظلّت تتحايل على القانون وتسعى إلى تسريب المناولة في المرفق العمومي ومنها البلديات وإنّا مازلنا متمسّكين بإلغاء هذه الأشكال المهينة للذّات البشرية ولكرامة العامل ومطالبين بضرورة تسوية كلّ الوضعيات الهشة ومنها وضعيات المدرّسين الوقتيين وأعوان الصحة المتعاقدين وغيرهم.
نقول أيضا لهؤلاء: إنّ الحقّ النقابي، علاوة على أنّه مضمون دستوريا وعلى أنّه مدوّن في التشريعات الدولية المصادق عليها من الدولة التونسية، فهو مكسب حقّقه النقابيات والنقابيون جيلا بعد جيل منذ عهد الاستعمار وفي كلّ عقود الاستبداد ولن يتخلّوْا عنه اليوم تحت أيّ ذريعة بما فيها التهديدات والتشويهات ونشر الإشاعات وفبركة القضايا والاعتقالات والطرد والتضييقات والمحاصرة والنقل التعسّفية، فقد مرّ بها النقابيون ولم تؤثّر في مواقفهم ولا هدّت من عزائمهم بل كانوا دوما يعودون أقوى من ذي قبل، لأنّ صوت الحقّ، وإن خفت أحيانا، لا شكّ ينتصر في النهاية.
حوار وتفاوض و في كلّ الحقب مسألة تشاركية
نقول لأصحاب القرار: إنّ قوانين الشغل ومنظومة الضمان الاجتماعي والأنظمة الأساسية للوظيفة العمومية والمنشئات والدواوين العمومية والأنظمة الأساسية الخصوصية قد جاءت وليدة نضال وكانت دوما نتاجَ حوار وتفاوض وظلّت في كلّ الحقب مسألة تشاركية في صياغتها وتنقيحها وتعديلها وتطويرها بين الأطراف الاجتماعية ولا يمكن أن تكون عملا فرديا وقرارا أحاديا، وإنّ الاتحاد العام التونسي للشغل معني بتنقيحها، وقد شرع فعلا منذ سنوات قليلة في ذلك مع الطرف الحكومي، ونعتبر أنّ أيّ تفرّد في ذلك إنّما هو إمعان في ضرب الحوار الاجتماعي وإصرار على ضرب حقّ المفاوضة الجماعية.
نقول لعمّالنا وسائر عموم الشعب: إنّ القُعُود عن الدفاع عن الحقوق والحرّيات لن يفعل غير التشجيع على قضمها ونهبها، وإنّ الاستسلام لليأس والإحباط لن يؤدّيَ إلاّ إلى ضياع الحاضر والمستقبل لذا لابدّ من استنهاض الهمم وتحريك الواجب فشعبنا هو من الشعوب الحيّة التي تركن إلى الظلم ولا تقبل الاستبداد ولا تستكين إلى اليأس.
لقد كان اتّحادكم، هذه المنظّمة الوطنية العريقة، دوما قوّة خير واقتراح، وقد لعب في أغلب مفاصل تاريخ بلادنا الحديث دورا مهمّا ضمن طيف اجتماعي وسياسي واسع، وكان له في كثير من المحطّات مبادرات ساهمت في إنقاذ البلاد، فاتحادكم لم يقف متفرّجا ولا مكتوف الأيدي إزاء ما عاشته وتعيشه بلادنا من أزمات وهزّات، ولاشكّ أنّ حاجة البلاد اليوم إلى قواه الحيّة وفي مقدّمتها الاتحاد العام التونسي للشّغل كبيرة وملحّة درءا للكارثة والصراعات الهامشية وحفاظا وسعيا إلى تطوير ما تحقّق من مكاسب ديمقراطية على عرَجِها وتعثّراتها،
لذا نجدّد موقفنا الذي دوّنّاه في أدبيّاتنا وأبلغناه في المحافل الرسمية وفي وسائل الإعلام ومارسناه في كلّ الأنشطة والتظاهرات واللقاءات: إنّنا غير مرتاحين بالمرّة للمناخ السياسي السّائد بما طغى عليه من تفرّد وتعنّت وإقصاء وتصفية حسابات وانتهاكات وضغوط، وإنّ المواصلة في نهج المرور بقوّة في جميع المجالات بما فيها السياسي لن يفضيَ إلاّ إلى الانسداد والمآزق فضلا عمّا يمكن ان يخفيه من مفاجآت غير محمودة العواقب.
لقد جرّبت بلادنا كثيرا من النماذج، ولكنّها تكتشف كلّ مرّة أنّ أسوأها هو النموذج الاستبدادي الذي يضيّع عليها فرص التقدّم ويهدر من تاريخها زمنا طويلا من الحرّية والبناء والمشاركة والمواطنة الحقيقية، فلم يعد مسموح لنا أن نستنسخَ تلك النماذج بقدر أنّه علينا الحرص على تعلّم الدروس منها وعلى تجاوزها وعلى وضع البدائل عنها، وإنّ الأمر يصحّ في السياسة كما يصحّ أيضا في الاقتصاد، إذ نحن في حاجة إلى منوال بديل يقطع مع الحيف والريع والارتجال ويبني منوالا مندمجا متنوّعا عادلا.
ليس له من جرم غير ممارسة حقّ كفله الدستور
لقد عشنا معاناة أخينا أنيس الكعبي وعائلته على امتداد أكثر من أربعة عشر شهرا من الاعتقال ومن السراح المؤقّت الذي تقرّر له فإنّنا متمسّكون بطي الملف وسحب القضايا ضدّه فليس له من جرم غير ممارسة حقّ كفله الدستور وهو الحقّ النقابي بما فيه حقّ الإضراب، ونفس الأمر نرجوه للأخ الصنكي أسودي الذي يعتقل على تهم لا وجود لأي قرائن أو أدلّة أو حجج عليها لا لشيء إلاّ لأنه مسؤول نقابي وانتظاراتنا إطلاق سراحه ووقف كلّ التتبّعات الكيدية،
إنّ حديثنا عن المحاكمات التي طالت النقابيين في النقل والثقافة والصحّة والشؤون الدينية وفي صفاقس وباجة والقصرين ونابل وزغوان وغيرها، ودفاعنا عن النقابيين الذين سُلّطت عليهم آلة القضاء، إنّما الغاية منه:
أوّلا: رفض فضّ النزاعات الشغلية عبر القضايا الكيدية والمحاكمات الجائرة
ثانيا: ليس تهرّبا من القضاء وتعاليا عليه، بل حماية للمسؤول النقابي وفق الدستور والاتفاقيات الدولية، حتّى لا يكون العمل النقابي جُرْما يطارده فَيُعِيقُهُ عن الدفاع عن الحقوق.
ثالثا: ليس تنكّرا لما يتعرّض له بعض الصحافيين والمدوّنين وعدد من الناشطين السياسيين من تتبّعات واعتقالات ومحاكمات، فهم جديرون بوقوفنا إلى جانبهم دفاعا على حرية التعبير والصحافة وعلى حقّ التنظّم والتظاهر والاحتجاج السلميين.
رابعا وهو الأهمّ: طلبا لقضاء عادل نزيه غير خاضع للتعليمات لا يحاكم الناس على انتماءاتهم ولا على أفكارهم وآرائهم ويسوّي بينهم أمام القانون، قضاء يقيم العدل والإنصاف ويشيع الأمان والاطمئنان، إذ أنّ “الظلمَ مُؤْذِنٌ بخراب العِمران” كما قال ابنُ خلدون وهو مولّد للضغائن والبغضاء والتطاحن، لذا فإنّنا نجدّد دعوتنا إلى النأي بالقضاء عن التوظيف السياسي وإلى ضرورة إصلاح المنظومة القضائية بإشراك مكوّناتها جميعا بما يضمن حقّا قضاء عادلا، ووقف التنكيل بعدد من القضاة واعلاء القاعدة القانونية المعروفة: “إنّ المتّهم بريء حتّى تُثبَت إدانتُه”
كونوا، كما كنتم دوما متّحدين
لن تنسينا مشاغلنا وهمومنا فرحتنا بإعادة بناء دار الاتحاد، ولتكن كما قلت في البداية محفّزا للنقابيات والنقابيين على مزيد البذل والعمل والتضحية والوحدة، ولتكن لأجراء بالفكر والسّاعد والمتقاعدين منهم قِبلةً وخيمةً وسنَدًا ومنارةً.
كونوا، كما كنتم دوما متّحدين في وجه الظلم والاستبداد والحيف الاجتماعي، لا يربككم التشكيك والتشويه ولا يفَلُّ عزيمتكم العسف والقهر...
كونوا دوما مدافعين شرسين من أجل حقوقكم وحقوق شعبكم..
كونوا مناضلين من أجل الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، لا تلين لكم شوكة..
كونوا مناصرين بلا هوادة للحقّ الفلسطيني وضاعفوا جهودكم حتّى نساهم في فكّ الحصار على أخوتنا في غزّة وكامل فلسطين ووقف حرب الإبادة وحتّى نفرض تجريم التطبيع..
أنتم قوّة خير لتونس ومن حقّكم أن تنعموا فيها بالثروة والحرية ولا أحد من حقّه أن يقايضكم عليهما.
صور أخرى للفعالية تجدونها في: https://www.facebook.com/UgttPressGroup/
اقرؤوا أيضا: