وثائقي

مذكرات العميد منصور الشفي (10) حول أزمة 1965: " بالله الذي لا الاه الا هو متاعي أقوى من متاعك"

الشعب نيوز/ وثائقي – نواصل الاطلاع على مذكرات المحامي العميد منصور الشفي حول محاكمة الزعيم الحبيب عاشور سنة 1965 في قضية تعرف باسم قضية الباخرة. وفي هذه الحلقة يعود العميد بالتفصيل الى اطوار التحقيق. يكتب:

بدأ التحقيق مع الحبيب عاشور يوم 2 جويلية 65 منذ الساعة الثامنة صباحا ودون انقطاع حتى الساعة الثامنة مساء.

وقد عرض عليه حاكم التحقيق بأنه متهم بارتكابه يوم 8 جوان 65 جرائم التدليس ومسك واستعمال مدلس والمشاركة في اصدار شيك دون رصيد والمشاركة في اصدار شيكين تاريخهما مزوّر ومخالفة احكام الفصل السادس من مجلة التجارة البحرية والسماح لشخص عادي بقيادة باخرة دون رخصة قانونية الامر الذي نتج عنه جرح وقتل على وجه الخطأ.

وكان حاكم التحقيق يبحث كل تهمة على حده ثم يسجل أجوبة الحبيب عاشور التي كانت واضحة وصريحة وبدورنا – كمحامين - فقد تمسّـكنا معه بأن ما صدر عنه لا يمثل اي جرم.

إطالة التحقيق قصدا

كان حاكم التحقيق بعد تسجيل جواب الحبيب عاشور يعطيني انا والاستاذ محمد بللونة الكلمة فكنّا نقوم بكل سهولة بدحض تلك التهمة فيسجل اجوبتنا بكلّ تفاصيلها ثم ينتقل الى التهمة الموالية ولما قاربت الساعة الثامنة مساء وجّه إليه التهمة الاخيرة وكان يمطط في التحقيق قصدا لانه كان مقررا ان يرسل الحبيب عاشور للسجن عندما يقترب الليل.

ثم لما اعطانا الكلمة قال: (اما هذه التهمة فاني اقسم بالله الذي لا اله الا هو فإنها ثابتة وليس لكم ان تقولوا في شأنها شيئا) وكان بذلك يتهيأ لإصدار بطاقة ايداع ضدّ الحبيب عاشور. وبعد استغرابنا لموقف قاضي التحقيق يالقسم على الإدانة، اجابه الاستاذ بللونة (باللّه الذي لا إله الا هو متاعي انا فوق باللّه الذي لا إلاه الا اللّه متاعك إنت فإن هذه التهمة غير متجهة أكثر من التهم الاخرى).

وعند خروجنا من التحقيق قلت للاستاذ بللونة مبتسما (كيفاش يا حاج باللّه الذي لا اله الا الله متاعك انت هي فوق باللّه الذي لا اله الا الله متاع حاكم التحقيق فأجاب ضاحكا طبعا فأنا رجل متديّن وقمت بالحج الى بيت الله ثلاث مرات وهو ما تعلم من سوء سمعة وسلوك)

استدعاء ثان للتحقيق

وعند انتهاء التحقيق بمكتب احمد شراقة قدم الينا الهادي بوزيان حاكم التحقيق بالمكتب الثاني ليسلّم الحبيب عاشور استدعاء للحضور من الغد لديه لاستنطاقه في قضية هضم جانب موظف لما توجه بالقول الى السيد رابح عطيّة مدير شركة احياء جزر قرقنة (اعط لها السيد الاوراق اللّي يحبها) وكلمة «ها السيد» تشير لقاضي التحقيق احمد شراقة.

ورجع الأستاذ محمد بللّونة الى تونس العاصمة مساء ذلك اليوم وبقيت انا بصفاقس لأحضر في الغد بمكتب قاضي التحقيق الهادي بوزيان مع الحبيب عاشور وقد فوجئت بأن في السجن قد تمّ حلق رأسه إمعانا في إذلاله وتحطيما لمعنوياته ولكن ذلك لم يزده الا صمودا وكان نادرا في تلك الفترة حلق شعر المساجين اذ ان ذلك كان معمولا به في فترة الاستعمار اما بعد الاستقلال فقد وقع التخلي عن ذلك.