وثائقي

مذكرات العميد منصور الشفي (8) عن أزمة 1965: احتراق باخرة "الحبيب"، و برقية شركة التأمين

في الصورة، حفل تدشين تعاضدية على ملك الاتحاد في صفاقس ويظهر فيها من اليمين الوالي بالامين، فأحمد بن صالح (...) فالحبيب بورقيبة فالحبيب عاشور فزميل صحفي من الاذاعة

الشعب نيوز/ وثائقي - نواصل قراءة مذكرات العميد منصور الشفي وفي هذه الحلقة نتعرف بالخصوص على تقرير أمني يأتي على جملة من التفاصيل المتعلقة بالباخرة وشركة احياء جزر قرقنة وبرقية التامين القادمة من شركة ألمانية.

الباخرة "الحبيب " التي كانت تربط بين جزيرة قرقنة و مدينة صفاقس وتؤمن عدة رحلات يومية بينهما لنقل المسافرين كانت على ملك شركة إحياء جزر قرقنة (سومفيك Somvik)). وتجدرالملاحظة الى انه لاعلاقة لهذه الباخرة بباخرة أخرى حملت نفس الاسم وكانت مملوكة للشركة التونسية للملاحة وأحيلت الى التقاعد.

لم تكن الشركة ملكا للاتحاد العام التونسي للشغل ولكن كان يترأسها الحبيب عاشور الذي أسسها وبنى لها نزلا يقع في الشاطئ الشمالي لجزيرة قرقنة اطلق عليه اسم الفندق الكبير. وكانت أكبر المساهمين في الشركة هي بلدية تونس العاصمة مع العلم أنّ الحبيب عاشور يشرف على الشركة دون اي مقابل مالي.

وفاة 6 سياح

احترقت الباخرة يوم 7 جوان 1965 صباحا عندما كانت في طريقها الى صفاقس وكانت حاملة لعديد المسافرين مما نجم عن الحريق وفاة ستة اشخاص اغلبهم من السواح الاجانب.

حينها كان الحبيب عاشور موجودا في جينيف ككل سنة صحبة وفد من اعضاء المكتب التنفيذي منذ بداية الشهر لحضور اشغال الدورة السنوية التي يعقدها المكتب الدولي للشغل وتدوم الدورة شهرا كاملا.

 تمّ إعلام الحبيب عاشور باحتراق الباخرة وبدوره وبمجرد أن علم رابح محفوظ عضو المكتب التنفيذي باحتراق الباخرة حتى توجه مباشرة الى صفاقس وطلب مني هاتفيا ان اتصل باحد المحامين المتخصصين في القانون البحري فاخترتُ وقتها روجي خياط المتخصص في التأمين البحري وتوجهت صحبته الى صفاقس.

اما الحبيب عاشور فقد روى في مذكراته انه لما وصلته البرقية من الاتحاد العام لإعلامه بتفاصيل الحريق، رجع الى تونس حيث وجد برقية من شركة التأمين الالمانية تعلمه فيها انها ملتزمة بتأمين الحادث الحاصل للباخرة المحترقة وأنها مستعدّة للتعويضات اللازمة سواء بالنسبة للأضرار المادية أو الاضرار البدنية.

حمل الحبيب عاشور هذه البرقية الى الرئيس الحبيب بورقيبة ظنا منه أن هذا التعهد بجبر الاضرار من طرف شركة التأمين الالمانية سينهي الموضوع الا ان الحبيب بورقيبة أرجع له البرقية قائلا له " العدالة ستأخذ مجراها".

مجرى العدالة

فهم الحبيب عاشور من ذلك ان الغاية هي استهدافه وان هذا الحادث سيُستغلّ لوضعه بالسجن.

كانت النية لدى السلطة متجهة في بادئ الامر الى محاكمة الحبيب عاشور شخصيا من اجل حادث احتراق الباخرة ولو كان ذلك غير مقبول قانونيا ومنطقيا إلا أن الاحداث التي تلت ذلك جعلت السلطة تعدل عن ذلك اذ انها وجدت في العناصر الجديدة التي توفرت لديها مصداقية اكثر في توجيه تهم كافية في نظرها لتبرير وضعه في السجن حتى يتمّ إحلال قيادة جديدة محله على رأس الاتحاد.

والتحق الحبيب عاشور بصفاقس حيث وجد رابح محفوظ والمحامي روجي خياط وأنا بنزل الزيتونة الليلة الفاصلة بين 7 جوان ويوم 8 جوان 1965 وفي هذا المستوى أعود لوثيقة قدّمت ضمن ملف رفع الحصانة  عن الحبيب عاشور الذي سلم لكل النواب بمجلس الامة وهي مراسلة محافظ الشرطة بصفاقس.

تقريرمفصل

فقد جاء برسالة مؤرخة في 11 جوان 65 موجهة من محافظ الشرطة رئيس منطقة صفاقس الى حاكم التحقيق احمد شراقة أنه "جوابا على ملحوظاتكم المؤرخة في 9 جوان الجاري لي الشرف بإعلامكم بما يلي: إن شركة احياء جزر قرقنة لها باخرة تدعى (الحبيب) وباخرة تدعى (فرحات) وقارب معبّر عنه (لود) كلها غير مؤمنة تأمينا قانونيا في الوقت الحاضر غير انه توجد عقدة تأمين (مع الاتحاد) تعاضدية التأمين  تحمي عملة باخرتي (الحبيب) و(فرحات) ضد حوادث الشغل فقط.

أمّا (اللّود) الثالث الذي يحمل تارة الركاب من صفاقس إلى قرقنة فهو غير مؤمن كما عملته.

 والجدير بالملاحظة ان حسب الارشادات المتحصل عليها من مصادر مطلعة تكون باخرة الحبيب غير مؤمنة في تاريخ الحادث اي يوم 7 جوان  هذا وان الشركة المتعامل معها في جميع عمليات التأمين هي تعاضدية التأمين الإتحاد بتونس والمدير الرئيس العام هو السيد الحبيب عاشور والمساعدان هما السيدان: رابح محفوظ وعبد العزيز بوراوي اما المدير المباشر فهو المدعو فخر الدين الكاتب.

جملة من المسؤولين

وفي خصوص هذا الاخير فإنه قدم الى صفاقس صحبة (كاهياس بيار) نائب شركة اعادة التأمين وذلك حوالي الساعة الثالثة بعد الزوال يوم 7 جوان الجاري وفور وصوله وكان يرافقه دائما الاجنبي  المذكور في جميع تنقلاته اتجه الى الباخرة  موضوع  قضية الحريق الذي وجد قربها  السيد صالح صدوقة (مدير البحرية التجارية) فتحادث معه  ثم توجه الى مقر الولاية حيث كان هناك السادة كتاب الدولة احمد نور الدين وفتحي زهير وعبد المجيد شاكر ومعهم السيد الطيب السحباني.

ثم انتقل بعد ذلك الى المستشفى الجهوي اين تحادث مع رابح محفوظ وعدة أناس آخرين وحوالي الساعة السادسة مساء تحول الى مقر شركة احياء جزر قرقنة فوجد هناك رابح محفوظ وبقي حتى الساعة الثامنة والنصف، ثم مباشرة توجه ودائما صحبة كهياس الى نزل الزيتونة حيث وجد المحامي روجي خياط يتناول طعام العشاء صحبة زميله المحامي منصور الشفي وقد قدما الى صفاقس للدفاع على شركة إحياء  جزر قرقنة فتناولوا العشاء مع بعضهم ثم مكثوا بالنزل حتى الساعة العاشرة والنصف وقد انضم اليهم كل من رابح محفوظ والحبيب عاشور الذي قدم من جنيف لما بلغه نبأ الحريق وقد توجه هذا الاخير الى مقرّ الولاية."