آراء حرة

المرسوم عدد 68 لسنة 2022....عن أي مصلحة وطنية تتحدث السلطة ؟

الشعب نيوز / إلياس بن عمار عضو الجامعة العامة للكهرباء و الغاز. في إطار سعيها المحموم لإرضاء الدوائر الرأسمالية العالمية عبر التفويت في الثروات الوطنية و مزيد تخريب المؤسسات العمومية ، قامت السلطة السياسية بالبلاد ممثلة في شخص الرئيس بتنقيح جملة من القوانين من خلال المرسوم عدد 68 لسنة 2022 و المؤرخ في 19 أكتوبر 2022 والمتعلق بتحسين نجاعة إنجاز المشاريع العمومية و الخاصة كما جاء في عنوانه.بعض التنقيحات شملت قانون إنتاج الكهرباء من الطاقات المتجددة الصادر في ماي 2015 و تضمنت جملة من الإجراءات التي من شأنها أن تمثل خطرا على الثروة الفلاحية بالبلاد و كذلك على الشركة التونسية للكهرباء و الغاز .

1) استباحة الأراضي الفلاحية :

شكلت التنقيحات المضمنة بالمرسوم و التي تهم بعض فصول قانون 2015 لإنتاج الكهرباء من الطاقات المتجددة تتمة للتنقيحات التي تضمنها قانون تحسين مناخ الاستثمار الصادر في ماي 2019 و التي لاقت معارضة شديدة من طرف الهياكل النقابية بقطاع الكهرباء و الغاز و لا تزال الإشكالية قائمة لحد الآن.

وقد تمثل الهدف الأساسي للتنقيح في استباحة الثروة الفلاحية بالبلاد لصالح المستثمرين الخواص في الطاقات المتجددة أي السماح بإنجاز مشاريع إنتاج الكهرباء من الطاقات المتجددة على أراضي فلاحية ( بما فيها العقارات الدولية الفلاحية) دون تغيير صبغتها.هذه الإجراء و في ظل ما تعانيه الفلاحة التونسية من إشكاليات جمة لعل أبرزها الإشكالية العقارية ، يمثل تهديدا حقيقيا على هذا القطاع الحيوي لصالح مقولة جلب الاستثمارات دون مراعاة للمصلحة الوطنية التي تتشدق السلطة السياسية الحالية بها في كل محفل و دون القيام باستشارة وطنية للنقاش قبل القيام بهذه الخطوة.

و إن المتمعن الجيد في مسار مشاريع الطاقات المتجددة منذ صدور قانون 2015 يلاحظ مدى ضغط المستثمرين خصوصا الأجانب من أجل الاستئثار بالعقارات الراجعة للدولة ( خاصة الفلاحية منها) سعيا لتحقيق أقصى أرباح من تركيز مشاريع الطاقات المتجددة على حساب المجموعة الوطنية و هذا ما جعل السلطة الحالية تقوم بهذا الإجراء حتى تحقق شروط الدوائر الرأسمالية العالمية في الحصول على الدعم المالي دون مراعاة للآثار السلبية التي يمكن ان يسببها هكذا قرار و في ظل تبعية غذائية مستفحلة كان الأجدى لمعالجتها تعبئة الموارد و إيجاد حلول لدعم الفلاحين في تونس و السعي لمزيد نجاعة الأراضي الدولية.

2) مزيد إثقال الموازنات المالية للستاغ :

بالإضافة لما سبق ذكره ، تم تنقيح الفصل الثامن لقانون 2015 المتعلق بإنتاج الكهرباء من الطاقات المتجددة عبر تحميل الشركة التونسية للكهرباء و الغاز أعباء تكاليف ربط محطات الإنتاج الخاصة بالشبكة الوطنية للكهرباء .

فهذا الفصل في نسخته الأولى تضمن تحميل أعباء الربط على المستثمر الخاص و لكن ضغط الجهات المانحة ورغبة المستثمرين الخواص في جني أرباح أكثر دفع بالسلطة الحالية و المتشدقة بالسيادة و المصلحة الوطنية للقيام بهذا الإجراء و دون اكتراث للوضعية المالية الصعبة التي تعيشها الستاغ بسبب تملص الدولة من أداء التزاماتها تجاهها .

الستاغ ، إذا ، مطالبة بالإضافة لتهيئة البنية التحتية اللازمة لاستيعاب الطاقة المنتجة من طرف الخواص - التي تحصلت بسببها على جملة من القروض لعل آخرها قرض البنك العالمي بمبلغ قدره 151 مليون دولار أمريكي - ، بتحمل نفقات ربط الخواص بالشبكة الكهربائية و التي في مناطق مثل الجنوب التونسي تكاليفها باهظة لطول المسافة و لصعوبة التضاريس.

كل هذه النفقات التي لن تجني منها الستاغ سوى مزيد اختلال موازناتها المالية ، ستكلف المجموعة الوطنية مصاريف باهظة من اجل ضمان فوائض ربحية لمستثمرين أجانب بالعملة الصعبة سيكون مآلها خارج البلاد خصوصا و ان الحلول التي تقترحها حكومتنا الموقرة لمجابهة هذا الاختلال هو إجراء " تعديل دوري لتعريفات الكهرباء و الغاز" أي الترفيع في معاليم فاتورة الاستهلاك مما سيزيد في تعميق تدهور المقدرة الشرائية لعموم المواطنين.

3) سلطة تتخبط في ظل تغييب الأطراف المعنية :

إن الهدف المعلن من السلطة في تونس لتبرير مثل هذه الإجراءات و التنقيحات هو التسريع في إنجاز المخطط الشمسي التونسي و كالعادة فالجوقة الموالية لها و التي تقتات من موائدها تحمل الهياكل النقابية المنضوية تحت لواء الاتحاد العام التونسي للشغل مسؤولية تعطيل هذا المخطط و تتغافل عن ذكر الأسباب الحقيقية التي عطلت مشاريع الطاقات المتجددة بالبلاد :

فمن جهة تحرم الستاغ من القيام بهكذا مشاريع و ترفع الدولة يدها عنها من أجل مجابهة إشكاليات خارجة عن نطاق الشركة كتدهور الدينار مثلا و الذي يعتبر احد أهم أسباب خسائرها السنوية ، و من جهة أخري يتم التمديد عبر مرسوم رئاسي ( مارس 2022 ) في رخصة إنجاز مشاريع لمستثمرين خواص ( بما فيهم أجانب) رغم عدم إيفائهم بالتزاماتهم تجاه الدولة في حين كان يمكن أن يتم منح هذه المشاريع للمعطلين من أبناء الشعب .

علاوة على ذلك يتم تعطيل أحد دعائم الاستثمار في الطاقات المتجددة بالبلدان الرائدة مثل ألمانيا أو الدانمارك و المتمثل في مؤسسات الاقتصاد الاجتماعي و التضامني عبر عدم إصدار نصوص ترتيبية في الغرض أولا و التغافل عن تقديم التحفيزات لهذا النوع من المؤسسات فيما يتعلق بمشاريع الطاقات المتجددة ثانيا.

إن هذه السلطة المترددة و التي لا تصغي إلا لإملاءات الدوائر الرأسمالية العالمية و تتجاهل أهل الاختصاص من ابناء هذا الوطن لماضية بالبلاد إلى حافة الهاوية و بالتالي ما على الهياكل النقابية و الفعاليات النيرة و التقدمية داخل المجتمع إلا الوحدة و المضي قدما لتركيز بديل حقيقي يعبر عن آمال شعبنا بعيدا عن الشعارات الجوفاء و المراهقة السياسية للماسكين بزمام الدولة في الوقت الحالي.