آراء حرة

صدمة مضاعفة للنهضة.. فشلت في تحشيد أنصارها، خسرت رهانها على الضغوط الدولية وخسرت "المشيشي" كورقة ضغط

هذه المرة وعلى عكس كل المرات السابقة، لم تنجح حركة النهضة في تحشيد أنصارها. حيث ان دعوتها التي توجهت بها الى قواعدها للالتحاق بباردو والدفاع عما اسمته "الشرعية" لم يستجب لها غير عدد قليل لا يتجاوز بعض العشرات.

وعلى اثر فشل دعوتها إلى تجمع شعبي واسع أمام البرلمان ،غيرت حركة النهضة خطابها كليا وأصدرت اول امس الثلاثاء، بيانا حثت فيه على الحوار والتضامن وتجنب الاقتتال الداخلي، في موقف يظهر أن التطورات الداخلية والخارجية جاءت صادمة للحركة.

وقد سجل المتابعون للتطورات الأخيرة، تغيرا في لهجة خطاب حركة النهضة بعد يوم واحد من فشل الدعوة الى الاعتصام أمام مقر مجلس النواب.

ففي مناورة لتجاوز هذا المأزق، دعت حركة النهضة إلى حوار وطني لإخراج البلاد من الأزمة، ورفضت في ذات الوقت التدابير الاستثنائية التي اتخذها الرئيس قيس سعيد، ووصفتها بالانقلاب على الدستور، كما دعت إلى استئناف أعمال البرلمان.

وأوضح الحزب، عقب اجتماع للمكتب التنفيذي، أشرف عليه رئيس الحركة راشد الغنوشي أن الإجراءات الاستثنائية غير دستورية، خاصة ما يتعلّق منها بتجميد النشاط البرلماني واحتكار كل السلطات دون جهة رقابية دستوريّة.

وطالبت النهضة رئيس الدولة بالتراجع عن قراراته وبضرورة استئناف أعمال مجلس نواب الشعب كسلطة أصلية منتخبة ديمقراطيا. كما طالب بالعودة، في أقرب الأوقات، إلى الأوضاع الدستورية والسير العادي والقانوني لمؤسسات ودواليب الدولة.

انتخابات تشريعية ورئاسية مبكرة

وفي مسعى لاحتواء الوضع المتأزم قبل فوات الأوان، اقترحت حركة النهضة يوم الثلاثاء، الذهاب إلى انتخابات تشريعية ورئاسية مبكرة، من أجل ضمان حماية المسار الديمقراطي وتفادي بأن يقود كل تأخير إلى فرض نظام "سلطوي".

كما دعت إلى حوار وطني لإخراج البلاد من أزماتها المتعددة سياسية واجتماعية واقتصادية وصحية.

وتجدر الإشارة الى ان بيان الحركة الأخير وما جاء فيه يعكس مناقضة الحركة لنفسها في اقل من 24 ساعة. حيث انها وبعد أن اعتبرت قيادات في النهضة الاثنين أن لا حوار قبل عودة المؤسسات، جاء الثلاثاء في بيان للحركة أنها من أجل الخير للحياة الديمقراطية مستعدة لانتخابات تشريعية ورئاسية مبكرة ومتزامنة من أجل ضمان حماية المسار الديمقراطي وتجنب كل تأخير من شأنه أن يُستغل كعذر للتمسك بنظام استبدادي.

ويعود هذا التراجع في موقف النهضة من التصعيد إلى التهدئة والاكتفاء بإصدار البيانات إلى متغيرات سياسية بينها أن رئيس الحكومة المعفى هشام المشيشي ظهر ليعلن أنه على استعداد لتسليم العهدة إلى الشخصيّة التي يختارها الرئيس قيس سعيّد لتشكيل الحكومة الجديدة، في وقت كانت حركة النهضة تراهن على أن المشيشي سيتمسك بمنصبه ويكون إحدى أوراقها في المواجهة مع قيس سعيد.

لكن هذا الأخير نأى بنفسه عن الصراع وحمّل الحزام السياسي الذي كان يساند حكومته مسؤولية الأزمة، شانه في ذلك شان حزب قلب تونس الذي اعتبر الناطق الرسمي باسمه أسامة الخليفي ان الحزب يتفهم قرار الرئيس بتجميد البرلمان ورفع الحصانة عن النواب. والأمر نفسه بالنسبة إلى بيان حزب تحيا تونس. مما جعل النهضة تشعر ان كل الحيطين بها تنصلوا من مسؤولياتهم لتبرز انها هي من جر البلاد الى هذا المأزق.

وبالإضافة الى كل ذلك فان تسارع الأحداث التي أعقبت قرار سعيّد حيث أعلن رئيس الحكومة الانسحاب من المشهد دون تصعيد، وصدرت قرارات بمنع السفر على كل من رؤساء الأندية الرياضية ورجال الأعمال وكبار المسؤولين والوزراء السابقين والنواب المجمدين والولاة ورؤساء البلديات خلال هذه الفترة، ومنع التجمع وحظر تجول ليلي وتعليق العمل بالإدارات المركزية والمصالح الخارجية والجماعات المحلية والمؤسسات العمومية ذات الصبغة الإدارية ليومين، وغير ذلك من القرارات، اربكت حركة النهضة لا سيما وان هناك مواقف دولية دعمت مطالب الشعب ودعمت الإجراءات التي اتخذها قيس سعيد.

مواقف خارجية صادمة لحركة النهضة

وحسب المتابعين للشان السياسي، فان السبب الرئيسي لتراجع النهضة عن خيار التصعيد هو فشل رهانها على الضغوط الخارجية لدفع الرئيس سعيد لمراجعة موقفه، لكن مواقف الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي صدمت رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي.

وقد بدا جليا من خلال تصريحات دبلوماسيين غربيين تفهم واضح لقرارات الرئيس التونسي مع حث خفيف على ضرورة عودة المؤسسات إلى عملها الاعتيادي بعد المهلة المحددة بشهر.

وفشلت مساعي النهضة وأنصارها والأحزاب الرافضة لما أقدم عليه قيس سعيّد  في اللعب بورقة الحريات والحقوق. وقد سعى الرئيس التونسي إلى قطع الطرق عن هذه المحاولة بلقائه بأبرز المنظمات الوطنية وعلى رأسها اتحاد الشغل ذو التأثير القوي، كما ممثلين عن المجتمع المدني، مؤكدا لهم أنه يتعهد بحماية "المسار الديمقراطي وحماية الحقوق والحريات".

وأبلغ سعيد المنظمات أن الإجراءات الاستثنائية مؤقتة بسبب تعمق الأزمة وأن الحريات والحقوق لن تُمس بأي شكل. وقالت الرئاسة إن التدابير الاستثنائية التي جرى إعلانها ستستمر مدة 30 يوما.

وخيم الهدوء منذ صباح الثلاثاء على محيط مقر البرلمان والشوارع الرئيسية في العاصمة تونس، مع دخول القرارات المرتبطة بإعلان التدابير الاستثنائية في البلاد يومها الثاني.  وينتظر في أي لحظة تعيين الرئيس قيس سعيد الذي أصدر أمرا بايقاف العمل في المؤسسات الإدارية والعمومية ليومين، رئيس حكومة وأعضائها.

ولعل الهدوء المخيم على البلاد خلال اليومين الأخيرين، هو اقوى دليل على أن قرارات قيس سعيد صارت أمرا واقعا، وأن حركة النهضة ليس أمامها سوى أن تتفاعل مع تلك القرارات حتى لا تجد نفسها في عزلة تامة عن المشهد، خاصة أن الطبقة السياسية في اغلبها، اعترفت بأن فشل الحكومة السابقة التي كانت تتحكم فيها النهضة هي المسؤولة عن الأزمة الحادة التي تعيشها البلاد، وأن تجميد البرلمان ووقف عمل الحكومة كانا نتيجة الفوضى العارمة في إدارة شؤون البلاد.

حياة الغانمي