آراء حرة

ملف التسفير من أخطر ملفات العشرية السوداء في تونس

ملف التسفير من أخطر ملفات العشرية السوداء في تونس

مجلة البلاد اللبنانية:تصدر أسبوعيًا عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان ، العدد رقم 355، تاريخ الجمعة 23سبتمبر 2022

توفيق المديني

فتح القضاء التونسي مع بداية هذا الأسبوع ملف تسفير الجهاديين التونسيين إلى بؤر التوتر، وتحديدًا إلى سورية، بوصفه أخطرملف  شهدته تونس خلال العشرية السوداء(2011-2021)،وفي هذا السياق تم استدعاء الشيخ راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة والرئيس السابق للبرلمان المنحل، ونائبه علي العريض الذي كان وزيرًا للداخلية زمن حكم الترويكا ثم رئيسًا للحكومة،للمثول أمام قاضي التحقيق بوحدة مكافحة الإرهاب بتونس .

ويأتي فتح ملف التسفير هذا من قبل السلطات التونسية، في  زمن تعيش فيه تونس، أزمات متعددة ومعقدة، اقتصادية واجتماعية و سياسية، وتتداخل فيه عدة أطراف محلية وإقليمية ودولية، وهو ملف مرتبط  بالمخطط الأمريكي-الصهيوني -الخليجي-التركي، الذي كان يستهدف إسقاط الدولة الوطنية السورية، وتقسيم سورية إلى دويلات طائفية ومذهبية وعرقية، فضلاً عن أن هذا الملف له تداعيات كبيرة على صعيد الأمن القومي في تونس خلال مرحلة الانتقال الديمقراطي.

الأطراف المتورطة في ملف التسفير

من الواضح أنَّ الرئيس قيس سعيد بعد أن أصبح الرجل القوي في تونس، أراد الآن فتح ملف التسفيرالذي  شَابَهُ التعطيل و التلاعب ، شأنه في ذلك شأن ملفات أخرى ،منها ملف اغتيال الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي، وملفات الإرهاب والفساد والأموال المنهوبة.فقد طالت  التحقيقات حول ملف التسفيرللجهاديين التونسيين إلى بؤر التوتر،قيادات رئيسية من حركة النهضة،ومسؤولين أمنيين،ووزراء سابقين،ورجال أعمال ، وسياسيين،منهم من ينتمي لحركة النهضة،أو مقربين منها،وشملت قائمة المتهمين 100 شخص تورطوا  في تسفير الشباب التونسيين للقتال ضمن الحركات الإرهابية و التكفيرية في سورية، في حين تشير مصادر من أوساط المعارضة إلى أن عدد المحالين على التحقيق في هذا الملف قد بلغ حتى الآن نحو 830 شخصا من مستويات سياسية ووظيفية مختلفة.

فقد مَثُل الشيخ راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة أمام الوحدة الوطنية للبحث في جرائم الإرهاب و الجرائم المنظمة الماسة بسلامة التراب الوطني بثكنة بوشوشة في تونس العاصمة، وقرّر حاكم التحقيق في القطب القضائي لمكافحة الإرهاب بالعاصمة تونس، يوم الأربعاء21 سبتمبر 2022، تأجيل الاستماع إلى الغنوشي في قضية "التسفير لبؤر التوتر" إلى 28 نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، مع إبقائه في حالة سراح، كما قرَّر اليوم الخميس تأجيل التحقيق مع نائب رئيس حركة النهضة علي العريض في قضية "التسفير" إلى 19 كانون الأول (ديسمبر) المقبل. 

وجاء قرار التحفظ على العريض بعد جلسة استجواب دامت نحو 14 ساعة ، إذ كشفت بعض المصادر الإعلامية عن تفاصيل مسائلة العريّض من قبل قاضي التحقيق، حيث إنَّه تم توجيه أسئلة له بخصوص الترقيات التي أجراها في وزارة الداخلية خلال فترة توليه الوزارة بين عامي 2012 و2013، وقُدمت له قائمة اسمية في القيادات الأمنية التي شملها القرار، من ضمنها عبد الكريم العبيدي وفتحي البلدي الموقوفان على ذمة القضية نفسها.ووُجهت له أسئلة عن طريقة تعاطيه بصفته وزيرا للداخلية آنذاك مع أحداث اقتحام مقر السفارة الأمريكية في تونس في 17 أيلول/ سبتمبر 2012، والأوامر التي أصدرها خلال تلك الأحداث .وسُئل العريّض عن دوافع تصنيفه "أنصار الشريعة" كتنظيم إرهابي، لما تولى رئاسة الوزراء عام 2013 خلفا لحمادي الجبالي.

 بينما أبقي قاضي التحقيق رئيس "جمعية الدعوة والإصلاح" الحبيب اللوز في "حالة سراح". وكان هذا القيادي المتشدد في حركة النهضة الحبيب اللوز قد أَصْدَحَ بقولته الشهيرة في سنة 2012: "لو كنت شابًا لذهبت للجهاد في سورية"، ولكنَّ حركة النهضة وزعيمها لم يًتَخِذَا أي موقف معارض له،بل نجد الغنوشي نفسه يقول في حديث صحفي لـ"الشروق الجزائرية" نشر بتاريخ 15 حزيران 2013:" والله علينا كلنا أن نقف مع الشعب السوري في محنته،..."،ويضيف: "الشعب السوري عانى ما يكفي وحان وقت الوقوف الفعلي إلى جانبه"..وحين غادرت حركة النهضة الحكم في نهاية  سنة  2013، تحت ضغط حركة المجتمع المدني التونسي، لم يتغير موقف الغنوشي من الأزمة السورية بمغادرة الترويكا الحكم.

من الجدير بالذكر أنَّ التحقيقات في هذا الملف بدأتْ إثر شكوى تقدمت بها البرلمانية السابقة فاطمة المسدي (حركة "نداء تونس") ، وعضو لجنة التحقيق في شبكات التسفير في نفس البرلمان ،إلى  القضاء العسكري قبل أن يحولها إلى القطب القضائي لمكافحة الإرهاب في ديسمبر 2021.إذْ سبق  أنْ أصدرتْ الدائرة الجنائية بالمحكمة الإبتدائية بتونس العاصمة المختصة في مكافحة الإرهاب أحكامًا بالسجن مدى الحياة و أخرى تراوحت بين سنتين و80 سنة في حق عددٍ من المتهمين في 5 قضايا إرهابية شملت 61متهمًا من بينهم 6بحالة إيقاف، والبقية في حالة سراح ىأوفرار، وشملت قيادات في تنظيمات إرهابية.

المنصف المرزوقي وملف التسفير

تتحدث عدَّة أوساط إعلامية(الأناضول) عن أن الرئيس التونسي الأسبق منصف المرزوقي مشمول في التحقيقات المتعلقة بملف التسفير، أما عن صله المرزوقي بملف التسفير، فهي تعود إلى شطحات الرئيس المؤقت المنصف المرزوقي، إذْكانت تونس في ظل حكم الترويكا بقيادة حركة النهضة الإسلامية، احتضنت مؤتمر ما كان يسمى"أصدقاء سوريا " في شهر آذار/مارس2012، وهو المؤتمر الذي شكل نقطة الانطلاق في دعم المعارضة السورية بالمال و السلاح ، وفي بداية الحرب الإرهابية الكونية لإسقاط الدولة الوطنية السورية ..وفي ظل حكم "الترويكا"  كانت حركة النهضة وزعيمها راشد الغنوشي والرئيس السابق المؤقت منصف المرزوقي، وراء قطع العلاقات الدبلوماسية مع سورية، وهو ما عبّد الطريق لتدفق حوالي  8000إرهابي تونسي إلى سورية للقتال في صفوف "الجيش السوري الحر"وتنظيم "جبهة النصرة"(القاعدة في سورية)، وتنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام: داعش".

وتقول بعض التقارير الغربية ، أنَّه  تمت تصفية 2800 من الإرهابيين التونسيين في سورية، وتسجيل 1315 منهم كمفقودين، وحوالي 400 إرهابي تونسي، و160 امرأة إرهابية تونسية، في السجون السورية،وهناك حوالي 250 امرأة إرهابية في تونس، من بينهن 70امرأة في السجون التونسية، إضافة إلى وجود 120 امرأة إرهابية تونسية في ليبيا.وقد عاد إلى تونس حوالي 1000 إرهابي .

مواقف راشد الغنوشي من الأزمة السورية

عمل الشيخ راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة الإسلامية في تونس منذ استلام حركته الحكم عقب انتخابات 23أكتوبر 2011،على تسويق صورة ليبرالية مدنية عن حركته، غير أن سنوات حكم الترويكا(2011-2013) ،والمواقف من القضايا المصيرية، لا سيما الموقف من الأزمة السورية، كشف لنا الوجه الحقيقي للنهضة، غير الذي يتم الترويج إليه إعلاميًا من أجل كسب ودّ الغرب.ففي الفترة الأخيرة، سُئِلَ راشد الغنوشي في حوار له مع قناة فرانس 24 عن المقاتلين في سورية،فقال :" إنّه لا يعتبر كلّ من يشارك في محاربة بشار الأسد إرهابيًا " بل هو يفرّق حسب قوله بين "من يقاتل لترسيخ الديمقراطية وبين من يقاتل لترسيخ دكتاتورية جديدة هؤلاء هم الإرهابيون".

وحين غادرت حركة النهضة الحكم في نهاية  سنة 2013، تحت ضغط حركة المجتمع المدني التونسي، لم يتغير موقف الغنوشي من الأزمة السورية بمغادرة الترويكا الحكم، بل حافظ عليه حتى يوم 21 حزيران2014،على الأقل وهو التاريخ الذي صرح فيه لصحيفة "لوفيغارو الفرنسية" بأن "رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي هو أساس الحرب في العراق" وأنه "ديكتاتور شأنه شأن بشار الأسد" قبل أن يدعو إلى "ضرورة ترك نوري المالكي وبشار الأسد السلطة في القريب العاجل".

يدرك الغنوشي أنّ الصراع في سورية ليس صراعَا بين قوى ديمقراطية تريد أن تؤسس لجمهورية ديمقراطية تعددية، بل هو في جوهره صراع بين حركات إرهابية وتكفيرية تتلقي دعمًا ماليًا و عسكريًا من قوى إقليمية(قطر، المملكة العربية السعودية،تركيا) ودولية بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، و الدولة السورية، التي باتت تواجه  كل الثقل السياسي والعسكري والاستخباري والمالي لعدد من الدول الاستعمارية العظمى، والأنظمة الرجعية العربية، وتركيا والكيان الصهيوني، مجتمعة. وتقوم هذه الأطراف بأدوارها المختلفة و المتكاملة  من تهريب الأسلحة والإرهابيين وتدريبهم وتسليحهم وتقديم الدعم اللوجستي والاستخباراتي إلى الحملات الإعلامية المسعورة ومحاولات العزل السياسي والدبلوماسي. 

وتصف الولايات المتحدة وحلفائها الإقليميين الوطن العربي بأنه "رجل القرن الحادي والعشرين المريض"، وهم لا يخفون أملهم في رؤية هذا الوطن العربي يلقى المصيرعينه الذي لقيه رجل القرن التاسع عشر المريض، الامبراطورية العثمانية، من تقسيم غداة الحرب العالمية الأولى. وفضلاعن ذلك، يعتبر الأميركيون و أمثالهم من الصهاينة الوطن العربي بكونه تجمّعاً لأقلّيات دينية وعرقية عاجزة عن العيش سوية في كيانات دولتية وطنية. وترتكز الحلول المقترحة من أجل خدمة الديموقراطية ومصالح أميركا معاً، والمفترض أنهما مترابطان، على استخدام صريح للطائفية في اطار استراتجية تعرف بالـ"فوضى الخلاقة". 

فإذا كان الغنوشي يحاول أن يسوق حركة النهضة الإسلامية بوصفها حركة إخوان مسلمين، على أنها حركة تونسية تؤمن بالديمقراطية و بالحكم  المدني الجمهوري، فإنّ جوهر خطاب حركة النهضة السياسي هو خطاب أيديولوجي  يبرّر رفع السلاح من أجل ما أسماه الغنوشي" الدفاع عن الديمقراطية"، سورية و ليبيا نموذجا. والديمقراطية من وجهة نظر الغنوشي، هي الحكم  على أساس "عدم تحريم ما حلّله الله وعدم تحليل ما حرّمه الله" ففي السياسة الحلال والحرام، ومن هنا يسقط مبدأ الجمهورية الديمقراطية ويتمّ التأسيس للدولة الدينية.

خلال السنوات الخمس (2011-2016)،استطاعت الحركات الإرهابية و التكفيرية أن تستقطب حوالي 8000شاب تونسي، تحولوا إلى بنادق للإيجار للقتال  كجنود مرتزقة في خدمة مخططات الدول الاستعمارية الغربية ، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية، و الدول الرجعة العربية ، والدولة الإقليمية التركية التي تسعى إلى استعادة أمجاد السلطنة العثمانية في ظل هوس سلطانها الجديد أردوغان،والتي تستهدف بالدرجة الرئيسة إسقاط الدولة الوطنية السورية، وتقسيم سورية إلى إمارات قائمة على أسس طائفية ومذهبية وعرقية،  وبدرجة أقل في كل من ليبيا و العراق. وفضلاً عن ذلك، فقد ارتكب الإرهابيون التونسيون  جرائم حرب في حق الشعب و الجيش السوريين ، وذبحوا الأبرياء وسحلوا العزّل ،وقطعوا الأيادي والأرجل،وثكلوا الأمهات ،ويتموا الأطفال .

من المسؤول عن شبكات التسفير لهؤلاء الإرهابيين ؟

تتحمل الحركة الإخوانية التونسية مسؤولية رئيسية في عملية التسفير للإرهابيين التونسيين، وهذا ثابت في تونس. فمع صعود الترويكا بقيادة حركة النهضة إلى الحكم بعد انتخابات أكتوبر 2011 ، أصبح الخطاب السياسي ليّنًا بل مناسبًا لانتشارالجهاديين المستعدين لاستخدام العنف والسلاح في الداخل التونسي و الخارج، وكان يصفهم راشد الغنوشي بأنهم أقل خطرًا حتى من نداء تونس وقال عنهم إنّهم أبناؤنا يبشرون بثقافة جديدة

وأكّدت النائبة السابقة عن "كتلة الحرة" ليلى الشتاوي وهي من بين الوفد البرلماني الذي زار سورية في صائفة 2017، لـ"أنباء تونس"،أنه تم تنظيم لقاء مع بعض الإرهابيين التونسيين بالسجون السورية. وأوضحت الشتاوي أنَّ الارهابيين التونسيين اكّدوا سفرهم إلى سورية سنة 2012 انطلاقًا من مطار قرطاج الدوليّ، من دون أيّ صعوبات بل تم استقبالهم على "سجّاد أحمر" حسب قولها.وأضافت حسب تصريحات الإرهابيين المساجين، أنهم تحصّلوا على جوازات السفر الى سورية بسرعة فائقة.

وللتذكير فإنّ فترة حصول هؤلاء على جوازات السفر أي سنة 2012 هي فترة حكم الترويكا بقيادة حركة النهضة بعد فوزها في انتخابات 23 اكتوبر 2011، حيث كانت وزارة الداخلية يترأسها علي العريض فيما تولى حمادي الجبالي رئاسة الحكومة.

ويشارأيضا إلى إنّ اغتيال الشهيدين شكري بلعيد (6 شباط2013/فبراير) ومحمد البراهمي( 25 تموز/يوليو2013) قد تمّ في  ظل حكم الترويكا، علمًا وأن عمليات تسفير الشباب التونسي الى بؤر التوتر تصاعدت وتيرتها في تلك الفترة التي تمّ فيها استقبال العديد من الدعاة التكفيريين بدعوى من الداعية بشير بن حسن الذي ساند المرزوقي في انتخابات 2014 ،وجمعية يرأسها النائب النهضاوي المتشددالحبيب اللوز، ولعل أبرزهم وجدي غنيم الذي بايع تنظيم "داعش"،وكان الضيف المبجل لحزب النهضة الإخواني ،وقد التقاه آنذاك عبد الفتاح مورو النائب الأول بمجلس النواب سابقًا،الذي أكدّ لوجدي غنيم في حوار معه تم تسريب جزء منه إلى الإعلام، :" إ نّ تونس ستهتم من هنا فصاعدًا بالشباب لأنّ آبائهم "ماعادش فيهم".كما تمّ في تلك الفترة استقبال مفتي "داعش" وهو سعوديّ الجنسيّة وقد فتح مدرسة لتدريس الدين وتدريب الشباب التونسي للالتحاق ب"داعش"، كما تزامنت الفترة المذكورة مع دعوة الإمام الخطيب ووزير الشؤون الدينية الأسبق نور الدين الخادمي خلال خطبة الجمعة بجامع الفتح، الشباب التونسي الى الجهاد في سورية.

وكان العجمي الوريمي القيادي بالنهضة قد صرح ردًّا على استدعاء مثل هؤلاء الدعاة الذين كانوا يتعمدون تنظيم اجتماعات في الحمامات أفضل الوجهات السياحية بأنه لا يمكن منعهم من الحضور في تونس لأن ذلك يعد تنازلاً عن الديمقراطية، (رغم أنهم لا يؤمنون بها أصلاً) واعتبر أن منعهم هو خطأ كبير، وأنّ للجميع الحق في تبليغ صوته حتى وإن كنّا مختلفين عنه، بالرغم من أنّ الدعوة للقتل والتكفير والقول "موتوا بغيظكم" لا يدخل في باب الرأي والاختلاف، وكان الوريمي قد شبّه على إحدى الإذاعات في شباط/فبراير2012 وجدي غنيم بمايكل جاكسون باعتباره نجمًا ،ويلقى حظوة في تونس بسبب سياسة تجفيف المنابع التي كان يتوخاها بن علي، كما قال. بقيت تونس تنتظر أكثر من أربع سنوات ليعترف الغنوشي في القيروان بخطأ دعوة الدعاة.

مستقبل حركة النهضة في ضوء تراجع الإسلام السياسي

يأتي فتح ملف ملف التسفير في ضوء تراجع حركات الإسلام السياسي، وبعد الفشل الذريع الذي منيتْ به ما يسمى ب"ثورات الربيع العربي"، التي ركبت موجاتها حركات الإسلام السياسي ،ومنها حركة النهضة،فتَحَالفَتْ  مع الولايات المتحدة الأمريكية،واسْتُخْدِمَتْ كورقة من قبل القوى الإقليمية و الدولية، لا سيما  قطر وتركيا أردوغان، لتنفيذ أجندات إقليمية ودولية تتعلق أساسًا بإسقاط الدولة الوطنية في عدد من الدول العربية التي تناهض السياسة الأمريكية والكيان الصهيوني.

ومع تراجع حضور جماعات "الإسلام السياسي" إلى الحد الذي باتت تعيش فيه على هامش الأحداث المحلية والإقليمية، حتى أنَّها خرجت من دائرة اهتمام تركيا التي احتضنت حركات الإسلام السياسي بعد لجوئها إلى إستنبول،لكنَّها وبعد طيِّ صفحة الربيع العربي بالكامل بدأت تركيا بمطالبة قيادة حركات الإسلام السياسي على أراضيها إمَّا بالمغادرة أو الامتناع عن مهاجمة الأنظمة السياسية العربية. وتركيا كغيرها من الدول دولة براغماتية، تسعى لمصالحها الوطنية والقومية، وهي بعد ما يقارب عشر سنوات وجدت أنَّ مراهنتها على حر كات الإسلام السياسي مراهنة خاسرة، لعدم فاعليتها وانقسام قواها على أنفسها، وتنافسها فيما بينها، فعادت عن مواقفها السابقة وفتحت صفحات جديدة في علاقاتها مع الدول العربية سعيًا وراء مصالحها السياسية والاقتصادية،ودشنت صفحة جديدة في علاقاتها مع تلك الأنظمة بعد سنوات من القطيعة وتوتر العلاقات

وفي ضوء التحولات الجديدة التي شهدتها تونس بعد 25يوليو2021، والنتائج الدراماتيكية للعشرية السوداء، خاصة على مستوى الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، وانتشار الفساد في معظم مؤسسات الدولة التونسية، وتصحر المجال العام في تونس، كل هذه العوامل أدّت بالفعل إلى تراجع الفعل السياسي لحركة النهضة بوصفها حركة فاشلة في إدارة الحكم،وعجزت عن حل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية، وورطت تونس بسياسة المحاور الإقليمية والدولية،والحال هذه  أصبحت الآن تتعرض لضغوطات هائلة بسبب فتح ملف التسفير، وربما لاحقا ملفي الاغتيالات السياسية و الجهاز السري،الأمر الذي سيجعل مستقبلها مرتبطًا بالمجهول-المعلوم القادم إلى تونس، لا سيما إمكانية حلها أو تفككها إلى عدة تنظيمات مهمشة ،و تحويل قادتها بمن  فيهم راشد الغنوشي إلى العيش في قطر أو تركيا على غرار المصير الذي لاقاه الشيخ عباس مدني، الزعيم السابق لجبهة الإنقاذ الإسلامية المنحلة في الجزائر.