نقابي

نقاشات وتوصيات الملف البيئي : من العرض النظري إلى تجارب النقابيين مع التحديات البيئية

الشعب نيوز / نصر الدين ساسي - شهدت الجلسة الثانية من أشغال الجامعة النقابية تفاعلاً واسعًا من المشاركات والمشاركين، الذين ثمّنوا ثراء المعطيات التي قدّمها المحاضر ودقّة تبويب رئيسة الجلسة، قبل أن يفتحوا جملة من الأسئلة والتعقيبات.

تنوّعت المداخلات بين من قدّم قراءة فلسفية لمسار الحداثة، باعتبارها انتقلت من فكرة سيادة الإنسان على الطبيعة إلى استنزاف الموارد وسرقة الطبيعة لصالح منطق السوق والرأسمال، ومن نبّه إلى غياب سياسات عامة متكاملة في تونس تربط بين البيئة والاقتصاد والاجتماع، في مقابل حضور قوي للشعارات والخطابات الشعبوية.

من جهة أخرى، جاء صوت النساء العاملات في القطاع الفلاحي حاضرًا بقوة عبر شهادات عن "الحڨرة" اليومية: تغيّرات مناخية تهدد مورد الرزق، غابات تُحرق أو تُقطع، هشاشة تشغيل، ونقل غير آمن. وطرحت بعض المتدخّلات سؤالاً مباشرًا حول ضرورة إدراج التدقيق البيئي والتغيّرات المناخية ضمن اللوائح النقابية، تمامًا كما تُدرج الصحة والسلامة المهنية، حتى لا يبقى الملفّ هامشيًا.

مشاركون آخرون عادوا إلى تجربة قابس مؤكدين أن النساء كنّ في الصفوف الأولى للاحتجاجات البيئية، وإلى ملفّ استنزاف الموائد المائية بفعل المشاريع الصناعية الكبرى، وإلى قضايا النفايات في جربة وقطع الأشجار في بعض الجهات، وإلى ما سمّوه "التلوّث الصامت" في الشمال الغربي الذي يغيّر نمط العيش ويزيد من الأمراض التنفّسية بسبب سياسات مائية وفلاحية غير متوازنة.

في خلفية كل هذه التدخلات، برز سؤال مشترك: كيف يمكن لمنظمة نقابية مثل الاتحاد العام التونسي للشغل أن توازن بين الدفاع عن مكاسب الشغل وبين الانخراط في معركة بيئية طويلة النفس؟ وأين يجب أن تُوضَع الحدود بين المطالب الفئوية والرهانات الكونية المرتبطة بمستقبل الأجيال القادمة ؟

* تفاعلات ختامية من حسين الرحيلي

في تعقيبه الختامي، حاول حسين الرحيلي أن يلمّ شتات الأسئلة في خيط واحد، مؤكدًا أولاً أن ما نعيشه اليوم في تونس ليس استثناءً، بل هو جزء من تحولات مناخية متسارعة تغيّر أنماط التساقطات والرطوبة وتبخّر المياه. وأشار إلى أن بعض السدود التونسية تفقد سنويًا مئات الآلاف من الأمتار المكعّبة من المياه بالتبخّر، وهو ما يدفع العديد من الدراسات العالمية إلى إعادة النظر في جدوى بعض السدود الكبرى في ظل المعطيات الجديدة.

وشدّد على أن المدرسة والمنظومة التربوية تتحمل جزءًا من المسؤولية، إذ لم تُدمج بعد البعد البيئي والمناخي في صميم المناهج والبرامج، ما يجعل الوعي البيئي هشًا، ويترك النقاش رهين الاستشارات الظرفية و"نقاشات الفيسبوك"، بدل أن يكون جزءًا من ثقافة عامة مجتمعية.

بالنسبة للشمال الغربي والحوض المائي المشترك مع دول الجوار، ذكّر الرحيلي بأن بناء السدود في الجزائر والمغرب على الأودية العابرة للحدود قلّص من حصّة تونس من الموارد المائية، وهو ما يزيد الضغط على السدود والغابات والتربة.

وفي هذا الإطار اعتبر أن المعركة ليست تقنية فحسب، بل تتعلّق أيضًا بسيادة تونس على مواردها وبقدرتها على التفاوض والدفاع عن مصالحها.

وفي ما يخصّ قابس والفوسفوجيبس، أوضح أن التلوّث هناك نتيجة تراكب عناصر عدّة: الصناعات الكيميائية، ردم الفوسفوجيبس، الميناء، أنشطة أخرى…

وأن تثمين هذه المادة ممكن تقنيًا بنِسَب محدودة، لكنه لا يقدّم حلاً سحريًا لتراكمات خمسين سنة.

وهو ما يفرض استراتيجية وطنية شاملة لقطاع الفوسفات، تشمل مراجعة نمط الإنتاج والتصدير، وإعادة الاعتبار للبيئة والصحة العامة، ومقاومة الفساد الذي يرافق بعض الملفات المرتبطة بالشركات الأهلية واستغلال الموارد الغابية.

وختم الرحيلي بالتأكيد على أن القضيّة في جوهرها سياسية–اقتصادية بامتياز: لا عدالة مناخية بدون عدالة اجتماعية، ولا دولة اجتماعية بدون حوار اجتماعي حقيقي يشارك فيه العمال والنقابات والمجتمع المدني. وأن الانتقال إلى نمط تنموي جديد أقلّ استنزافًا للموارد وأكثر احترامًا للإنسان، لن يتحقق إلا في إطار حوار مجتمعي شامل يربط بين الحق في الشغل والحق في الحياة والبيئة السليمة.

تابعوا اخباركم و صوركم عبر الرابط التالي : https://tinyurl.com/achaab-naqaby