نقابي

في الردّ على تبريرات مشروع تعديل أجور القطاع الخاص بأمر

الشعب نيوز / المحرر - في برنامج "Midi Express" مع مريم بالقاضي ، تولى الضيف تقديم جملة من التبريرات لإبراز قانونية ما ورد بالفصل 15 من مشروع قانون الميزانية لسنة 2026 حول الزيادة في أجور القطاع الخاص بأمر.

القانون التونسي، وتحديدا الفصل 134 من مجلة الشغل، لا يجيز ضبط الأجور في القطاع الخاص بامر الا في حالتين: الأولى تتعلق بضبط الأجر الأدنى المضمون والثانية باجور العمال أو القطاعات غير الخاضعين لاتفاقيات مشتركة.

في القطاعات الخاضعة لاتفاقيات مشتركة لا يجوز تعديل الاجور بامر، فقط يمكن ذلك بالمفاوضة الجماعية بين اطراف الاتفاقية.

من يصر على تعديل جداول الاجور الملحقة بإتفاقيات مشتركة لا تزال نافذة بواسطة الأوامر، عليه، قبل ذلك، التصريح بالالغاء الرسمي للاتفاقيات المشتركة القطاعية وتحجير  التفاوض بشأن الاجور مثلما كان معمولا به قبل ماي 1973 تاريخ إقرار رفع التحجير للتفاوض بين  الأطراف الاجتماعية بخصوص الاجور.

وفي ما يلي جملة من الملاحظات بخصوص تلك التبريرات :

- التبريرالأول : معايير العمل الدولية لا تمنع الزيادة الطوعية

مراجعة الاجور بصفة دورية ليست منةّ ولا مكرمة ولا إكرامية بل حق مشروع للاجير تقرّه معايير العمل الدولية والزيادة الطوعية في الاجر تكون من المؤجر المطلوب بدفع الاجر (الدولة في الوظيفة العمومية والقطاع العام والأعراف في القطاع الخاص) وتكون بعد الوفاء بالزيادة المستحقة بموجب الاتفاق التفاوضي او بموجب نص قانوني ولا يمكن أن تكون بديلا عن الحق المشروع في مراجعة الاجور ، فالتطوع يكون بعد الوفاء بالواجب ولا يمكن ان يكون بديلا عنه.

* معايير العمل الدولية : الاتفاقية رقم 98 بشأن حق التنظيم والمفاوضة الجماعية والاتفاقية رقم 154 بشأن المفاوضة الجماعية تقرّ حق اساسي للعمال هو الحق في المفاوضة الجماعية لتنظيم العلاقات المهنية ومن ذلك  اعتماد الحوار الاجتماعي كآلية أساسية لتحديد الأجور ومراجعتها دوريا عبر اتفاقيات مشتركة بين النقابات وأصحاب العمل (على مستوى المؤسسة، القطاع، أو الوطني).

- التبرير الثاني : تحديد الاجور عن طريق المفاوضات هو مجرد عرف وتقليد و ليس ملزم قانونا 

نظم القانون التونسي مسالة تحديد الاجور في القطاع الخاص في الفصل 134 من مجلة الشغل الذي بيّن بكل وضوح ان الاجر يضبط إما باتفاق مباشر بين الأطراف وإما عن طريق اتفاقية مشتركة وذلك مع احترام الأجر الأدنى المضمون المضبوط بأمر.

ويمكن أن تضبط بمقتضى أمر أجور العمّال التابعين لقطاعات غير خاضعة لاتفاقيات مشتركة.

وتطبيقا لهذا الفصل تم ابرام اكثر من 54 اتفاقية مشتركة تتضمن جداول لاجور العمال حسب اصنافهم المهنية وذلك منذ رفع التحجير عن التفاوض بشان الاجور بتاريخ ماي 1973 بعد ابرام الاتفاقية المشتركة الاطارية و بعد اصدار اول امر بتحديد الاجر الادنى المضمون في جانفي 1974 .

وبصدور  قرارات المصادقة على تلك الاتفاقيات المشتركة ونشرها بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية اصبحت ملزمة وتفرض أحكامها على جميع المؤجرين وعمال المهن المشمولة في دائرة تطبيقها حسب حكم الفصل 38 من مجلة الشغل.

وعلى هذا، يُعتبر تحديد الأجور في القطاعات المشمولة باتفاقيات مشتركة مسألة تفاوضية وليست شانا إداريا، تخضع لحرية الأطراف الاجتماعية في إطار مبدأ الاستقلالية التعاقدية الجماعية.

وبالنتيجة ، فإن  الحكومة لا تملك سلطة قانونية لتعديل أو ضبط الأجور في القطاع الخاص، إلا في الحالات التي يجيزها القانون صراحة.

وتُحدّد مجلة الشغل حالتين استثنائيتين يمكن فيهما للحكومة التدخل بأمر :

- ضبط الأجر الأدنى المهني المضمون: حيث، طبقًا للفصل 134 من مجلة الشغل، يمكن للحكومة، بعد التشاور مع منظمات العمال والأعراف، أن تضبط بأمر الحد الأدنى للأجور في القطاع الخاص.

- تحديد الأجور في القطاعات أو المهن غير الخاضعة لأي اتفاقية مشتركة وهو تدخّل يهدف إلى ضمان حدٍّ أدنى من الحماية لفئات غير مشمولة بالتفاوض الجماعي.

ما عدا هاتين الحالتين، يُعتبر أي تدخل حكومي مباشر في تحديد أو تعديل الأجور مخالفًا للقانون ولمبدأ حرية التفاوض الجماعي الذي كرّسته الاتفاقيات الدولية، وخاصة اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 98 المتعلقة بالحق في التنظيم والمفاوضة الجماعية واتفاقية رقم 154 المتعلقة بتشجيع المفاوضة الجماعية.

المفاوضة الجماعية ليست مجرد تقليد او عرف بل حق قانوني مشروع وملزم يتحتم على الجميع احترامه وتطبيقه وتعزيره حسب مقتضيات معايير العمل الدولية الملزمة للدولة التونسية بجميع سلطاتها.

- التبرير الثالث : تعديل الاجور بمقتضى امر يعتبر من قبيل"فعل الامير" الجائز قانونا

فعل الأمير (Acte du Prince) هو تصرف صادر عن السلطة العامة، يُحدث ضررًا في تنفيذ عقد إداري أو علاقة قانونية، دون أن يوجد خطأ من المتعاقد.

وقد نشأ هذا المفهوم في القانون الاداري وتوسع استعماله ليشمل احيانا علاقات خاصة تتأثر بقرارات السلطة العامة مثل ميدان العلاقات الشغلية.

لكن هذا التصرف يجب أن يكون:

- مشروعًا من حيث الشكل والمضمون، أي صادرًا ضمن صلاحيات الجهة الإدارية.
- عامًّا في طبيعته، أي لا يستهدف متعاقدا بعينه .

- مسببًا ضررًا غير متوقع للمتعاقد.

فإذا تخلف شرط المشروعية، فإن التصرف يفقد صفته كـ«فعل أمير» ويصبح عملاً غير مشروعًا (illégal).

هل يمكن اعتبار قرار من السلطة التنفيذية بالزيادة في اجور قطاعات خاضعة لاتفاقيات مشتركة دون وجود مفاوضات جماعية بين أطراف تلك الاتفاقيات من قبيل فعل الامير؟
 يمثل الفصل 134 من مجلة الشغل نصا قانونيا صريحا يضبط مجال تدخل الحكومة في الأجور، ويحصره في حالتين فقط :

- ضبط الأجر الأدنى المهني المضمون (SMIG وSMAG).

-  ضبط أجور الفئات أو القطاعات غير الخاضعة لاتفاقيات مشتركة.

بالتالي، أي تدخل حكومي خارج هاتين الحالتين يُعد مخالفًا للقانون، لأنه يصدر دون سند تشريعي.

في هذه الحالة لا يمكن اعتبار القرار فعل أمير، لأن شرط المشروعية مفقود بل يُعتبر القرار عملاً إداريًا غير مشروعًا (acte administratif illégal)، ويكون قابلاً للطعن أمام المحكمة الإدارية بدعوى تجاوز السلطة.

بمعنى آخر: «فعل الأمير» يفترض أن يكون القرار قانونيًا، أما القرار المخالف للقانون فلا يندرج ضمن هذه النظرية، بل يُلغى لمخالفته مبدأ الشرعية (principe de légalité).

الأستاذ عبدالسلام النصيري المحامي وأستاذ القانون والخبير في قوانين الشغل