ميزانية 2026: خطر كامن وراء الاستخدام المفرط لآلية تسبيقات البنك المركزي

الشعب نيوز/ اقتصادي - ان الخطر الكامن وراء الاستخدام المفرط لآلية تسبيقات البنك المركزي لتمويل الميزانية يكمن في ضخامة المبلغ فتقديم 11 مليار دينار التي تقابل نحو 6 بالمائة من الناتج المحلي يعطي انطباعاً بالاعتدال. لكن مقياس القدرة الحقيقية للدولة على السداد هو الموارد لا الناتج . 11 مليار تساوي تقريباً ما بين 22 و 23 بالمائة من الإيرادات الحالية، ونحو 45 بالمائة من كتلة الأجور (أي ما يقارب خمسة أشهر ونصف من أجور القطاع العام). بعبارة أبسط: إنه مبلغ صخم قياساً بموارد الدولة وخزينتها.
وفي الظاهر تبدو تسبيقات البنك المركزي غير مكلفة وتخفف أعباء الفائدة على الميزانية، وتوفر مجالاً من الأربحية للحكومة في المرحلة الحالية، فالنمو الإسمي ( النمو - نسبة التضخم ) للناتج الداخلي الخام في سنة 2025 قدر ب 7,700 وهو أعلى من معدل الفائدة المتوسط على الدين وهو ما يوحي باستقرار نسبة الدين من الناتج الداخلي الخام.
لكن في الواقع، فإن كلفة هذا النوع من التمويل لا تختفي، بل تعود إلى البنك المركزي عبر عمليات الامتصاص النقدي أو إلى حائط سداد مؤجل بعد سنوات قليلة، أو إلى الأسعار وسعر الصرف.
فحين يضخ البنك المركزي تمويلاً بهذا الحجم، تتضخم السيولة. وحتى لا تنخفض الفائدة ويتغذى التضخم، يضطر البنك المركزي إلى امتصاص هذه السيولة عبر أدوات مكلفة، أي أنه يدفع فائدة إلى البنوك ولا يتقاضى في المقابل شيئاً من الدولة عن السلفة المجانية. وإن لم يفعل، ينتقل العبء إلى الأسعار وسعر الصرف وفي كلتا الحالتين تثقل الكلفة على المجموعة الوطنية بشكل أو بآخر، حتى وإن لم تظهر بشكل محاسبي واضح في قانون المالية الأخير.
في المحصلة يمكن القول بأن حلول التمويل المجاني، هي في الواقع ليست مجانية وإنما هي كلفة مؤجلة، فما لا يدفع من باب الميزانية اليوم، سيسترجع من باب آخر غداً.
ومن جانب آخر، ستسدد التسبيقات بعد ثلاث سنوات إمهال وعلى مدة طويلة. فعمليا ومع حلول سنة 2029 ستدفع الخزينة نحو 1.5 مليار دينار سنوياً ولمدة تقارب العقد من الزمن لمجموع تسبيقات 2025 و 2026 ، إضافة إلى خدمة الديون الأخرى والإنفاق الجاري وهذا حائط سداد نقدي ثابت، سيضغط على الاستثمار والخدمات إن لم تتطور الإيرادات بالوتيرة نفسها.(يتبع)
.png)
د. عبدالرحمان اللاحقة
استاذ محاضر بالمعهد العالي للتصرف بتونس