قابس بين أزمة التلوث وفرصة الميناء العميق : من الألم إلى الأمل

بقلم : عصام بن عمر، كاتب عام النقابة الخصوصية لأعوان الرصيف والخدمات المينائية - تعيش قابس هذه الأيام على وقع احتجاجات صاخبة ضد التلوث الذي تسببه أنشطة المجمع الكيميائي، حيث يتعرض السكان، وخاصة الأطفال، إلى صعوبات تنفس واختناق بسبب الأبخرة السامة.
هذه الأزمة لم تعد مجرد ملف صحي واجتماعي، بل صرخة من أجل حق المدينة في مستقبل مختلف، بعيدًا عن الصناعات الملوِّثة.
لكن في قلب هذه المحنة، تبرز قابس كمرشحة أولى لاحتضان ميناء المياه العميقة. هذه المدينة التاريخية، التي كانت منذ العصور الفينيقية والرومانية مركزًا للتجارة البحرية، تمتلك كل المقومات لتتحول من منطقة ضحية التلوث إلى قطب بحري استراتيجي في المتوسط.
* لماذا قابس؟
أعمق ميناء في تونس: يتراوح عمق قناة الدخول في ميناء قابس بين 12.5 و13.7 متر، ما يسمح باستقبال السفن ذات الغاطس الكبير.
توجه الميناء نحو الشرق: موقعه على خليج قابس يمكّنه من ربط تونس مباشرة بأسواق آسيا وأفريقيا، بما في ذلك الصين واليابان، ويضعه على مسار طريق الحرير البحري.
موقع استراتيجي على الخليج يتيح استقبال السفن العابرة بدون قيود ملاحية.
رصيد تاريخي عريق يجعل من قابس مدينة مألوفة للتجارة البحرية منذ آلاف السنين.
خبرة سكانها في البحر والصيد والتجارة، ما يجعلهم شركاء حقيقيين في أي مشروع بحري مستقبلي.
* التزود بالوقود : مفتاح استقطاب السفن إلى قابس
وجود ميناء مياه عميقة في قابس لن يكتمل إلا بخدمات أساسية مثل تزويد السفن بالوقود (Bunkering)، التي ستجعل من المدينة محطة بحرية فعالة. هذه الخدمة تمكّن المدينة من:
- خلق قيمة اقتصادية مباشرة من خدمات الوقود والمناولة واللوجستيك.
- توفير فرص عمل جديدة لأهالي قابس في المجالات البحرية والفنية والدعم اللوجستي.
- تحفيز تطوير البنية التحتية المحلية، من طرق ومرافئ ومرافق سلامة بيئية.
- رفع مكانة قابس في الملاحة الدولية وجعلها محطة عبور أساسية في المتوسط.
- الاستفادة من التاريخ البحري والخبرة المحلية لتعزيز مصداقية المشروع.
- جذب استثمارات جديدة في قطاع النقل البحري والخدمات المرافقة.
* من التلوث إلى المستقبل الأخضر
بين تلوث خانق وحلم بحري عميق، تقف قابس اليوم على مفترق طرق. اختيارها كموقع للميناء العميق ليس مجرد مشروع اقتصادي، بل إنصاف لأهالي المدينة الذين عانوا عقودًا من الانبعاثات الصناعية، وفرصة لإعادة المدينة إلى مكانتها الطبيعية كعاصمة بحرية وتجارية على المتوسط.
* رسالة إلى أهالي قابس
أهل قابس الأعزاء، صمودكم وشجاعتكم في مواجهة التلوث ليس مجرد مقاومة، بل إعلان لمستقبل أفضل. هذه المدينة العريقة تستحق أن تُستعاد مكانتها التاريخية، وأن تتحول من منطقة متأثرة بالملوثات إلى محطة بحرية مزدهرة، توفر فرص العمل، وتحمي صحة أطفالكم، وتعيد لكم الكرامة الاقتصادية والاجتماعية.
قابس قادرة على الانبعاث من جديد، كما فعلت على مر العصور، والأمل في أيديكم اليوم أكثر من أي وقت مضى.