ثقافي

اللعب بالبشر.. "الكرة الميكانيكية" بغزة

الشعب نيوز / حسني عبد الرحيم - مسرحية أو "عرض رُكحي" عن غزة من جانب آخر، معقّد وربما مُرعب، هو اللعب بالبشر كما لو كانوا كرة في ماكينة "البينبول". عملية جهنمية لدفع الناس لإخلاء مكان إقامتهم، حيث وضعوا أشياءهم وذكرياتهم الحميمة، لينتقلوا من مكان إلى آخر تحت تهديد القصف الجوي بالقنابل الحارقة.

وبمجرد أن يفتحوا حقيبة الأشياء البسيطة للنوم أو للراحة أو للتذكّر، يتم قذفهم بمنشورات تأمرهم بالانتقال إلى مكان آخر في صحراء واسعة وقاحلة.

خلفية العرض لوحة سينمائية لأرض ممتدة، هي ربما فلسطين المُتخيّلة، وفي جانبها تقف شجرة زيتون وحيدة في الفيافي. شجرة زيتون شامخة تورق وسط الخضرة، ثم تعاود الظهور ذابلة، تفقد أوراقها وسط الرمال.

يخرج الممثلون العشرون من خلف الستار حاملين أشياءهم خلف ظهورهم، ويجرون بهلع لكي يدوروا خلف الستار الذي يحمل صورة شجرة الزيتون الوحيدة وسط الصحراء. خلال الدورات، يجلسون ويخرجون متاعهم لكي يناموا، ويتأكدوا من بقاءهم وبقاء ما يحملون من خصوصيتهم داخل الحقائب... ماذا تبقّى لهم؟ يعاودهم الهلع مع وصول الطائرات، فيحملون متاعهم ليخرجوا من الرُكح، ثم يعودون ليبدأ بعضهم في خلع ملابسه بينما يركض من الخوف والفزع.

لا يتم ذلك بخطوات منتظمة محددة، بل بما يشبه الفوضى الجماعية أثناء قصف لا يُسمع، بل نسمع موسيقى سيمفونية. لكن لا يصطدم أحدهم بالآخر، بل يقوم أحدهم بحمل الآخر عندما يسقط. فوضى منظمة ليست سوى تعبير عن الهروب من وجه عاصفة بربرية منظمة، ولا يتم ذلك إلا تحت وقع أوبرا للموسيقار الإيطالي "فيردي"، بما يُذكّر باختيار أوبرا "ڤاجنر" في الفيلم الشهير والخالد "نهاية العالم الآن" (Apocalypse Now).

يتوقف الجري قبل النهاية، ليقوم الممثلون والممثلات بإلقاء مقاطع من قصيدة "القصيدة" لابن غزة، الشاعر والمسرحي والمناضل "معين بسيسو"، الذي عاش نزوحات متعددة قبل أن يستقر في "خان يونس"، ليكتب عنها كتابه وقصيدته "القصيدة" عن غزة والنزوح المتجدد.

وجود القصيدة والأوبرا يغيّر طبيعة الحدث من مأساة إلى أسطورة لا تحتمل البكاء، بل تثير الاندهاش والسؤال: ماذا أعطى لهؤلاء الناس القدرة على البقاء؟ النزوح المستمر بألم دائم، ولكن دون خوف، تحت زئير القنابل والطائرات، وهم يحتفظون بذكرياتهم الحميمة ليعاودوا رؤيتها وفحصها كوطن يرحل معهم من مخيم إلى آخر، وعلى وقع أوبرا ليست مرعبة، فالأمر هو البقاء على قيد الحياة دون خسارة حلم العودة من جديد بعد المنافي.

الإخراج الممتع للموهوب وليد العيادي، الذي يعرفه الجميع كممثل تلفزيوني رائع في مسلسل "رڤوج"، ويلزم معرفته أكثر كمخرج وممثل مسرحي متميّز.

والمحتوى الموسيقي والصوتي لـ وليد حصير، والإضاءة لـ محمد زيدان.

أما الممثلون المدهشون في حركتهم وأدائهم الصوتي فهم، دون ترتيب أو تمييز: إكرام الشملالي، آية بومفتاح، يوسف فريحة، سلمى المصمودي، أميمة المؤدب، أمينة المالكي، إسلام الشاهد، يوسف قريعة، أمين بن الحاج عمر، علاء الدين بوخشينة، زينب بوسوسة، وآخرون جميعهم من دارسي التكوين في التمثيل المسرحي، تأطير وليد العيادي، والإنتاج لـ استوديو التياترو بإدارة الممثلة سرور الجبالي.