مجموعة " لاس ميغاس " الاسبانية على ركح الحمامات : نساء يُعدن كتابة الفلامنكو بلغة الجسد الحر والتجريب

الشعب نيوز / ناجح مبارك - نمط موسيقي عالمي آخر سجل حضوره على مسرح مهرجان الحمامات الدولي في سهرة الأربعاء 30 جويلية 2025 حين اعتلت ركحه فرقة "لاس ميغاس" الإسبانية، ضمن برمجة الدورة 59 من هذه التظاهرة العريقة.
وقد حمل العرض توقيع أربع نساء أعدن تعريف الفلامنكو خارج قوالبه التقليدية وجرّدنه من طابعه النمطي ليصبح مجالا مفتوحا للتجريب والتعدد والانتماء الحر.
* رحلة موسيقية متكاملة
وجاء العرض في الحمامات كرحلة موسيقية متكاملة تتحرك فيها المجموعة بسلاسة بين مقطوعاتها، وكأن كل واحدة منها فصل من سيرة ذاتية جريئة خاطبت العقل والروح معا.
افتتحت السهرة بمقطوعة "Grito" التي كانت إيقاعاتها سريعة راقصة.
ثم انتقلت المجموعة إلى "Tangos de la Repompa" التي أعادت الجمهور إلى أجواء الفلامنكو التقليدي.
أما أغنية "Una mica més" باللهجة الكاتالونية أكدت من خلالها الفرقة قدرتها على المزج بين الموسيقى والهوية المحلية.
وتنوّعت بقية المقطوعات بين العاطفة والاحتفال وبين الحب والانتماء في دعوة للتمسك بالحياة والانفتاح على الآخر.
* تناغم وانسجام
أما الجمهور التونسي والأوروبي الذي تابع العرض، فقد تجاوب بانسجام مع كل نغمة وتماهى مع الإيقاعات بالتصفيق ورقص بعضهم مع كل نوتة موسيقية.
وخرج في نهاية العرض بخطى متباطئة وكأنه لم يشبع من لحظة فنية لم تكتمل بعد.
واختارت الفرقة اسم "لاس ميغاس" ويعني "الفتات" أو بقايا الخبز في إحالة رمزية إلى طبق إسباني تقليدي بسيط لكنه غني في مكوناته.
وهذه التسمية كانت حاملة لتوجه الفرقة وأفكارها وفلسفتها الموسيقية وهي أخذ ما تبقى من الفلامنكو التقليدي وإعادة جمعه وتشكيله برؤية معاصرة تتغذى من تنوّع الخلفيات والأنماط الموسيقية الأخرى.
وقد تحول اسم "لاس ميغاس" نفسه إلى استعارة موسيقية، فجعلن من الفتات موسيقى ثرية بالإيقاعات ومتنوعة الأنماط ومشبع في المضمون فكريا وعاطفيا.
وهذا ما تعكسه موسيقاهنّ بما هي توليفة صلبة وحرّة تتحرك في الزمن دون أن تسجن فيه.
* برشلونة المنطلق
وتأسست "لاس ميغاس" سنة 2004 في برشلونة وتتكون من أربع فنانات موسيقيات هن "مارثا روبلس" و"أليسيا غريو" و"روسر لوسكوس" و"كارولينا لا تشيسبا".
ولكل واحدة منهن خلفية فنية مختلفة تمتد من الفلامنكو الكلاسيكي إلى الجاز ومن الفادو إلى الموسيقى اللاتينية.
هذا التنوع انعكس في هوية موسيقية متحررة. وقد رافقهن في هذا العرض عازف على آلة التشيللو وعازفة على الباتري.
وجمع العرض بين البعد الفني والموقف الثقافي والفلسفي، وقد سعت "لاس ميغاس" من خلال موسيقاها لاستعادة التراث من ناحية ثم تفكيكه وإعادة تركيبه وفق رؤى معاصرة تتجاوز الحدود من ناحية أخرى دون أن تتنكر لجذورها الأندلسية أو الكاتالونية.
فغذت موسيقاها بأنماط الجاز والفادو والبوسا نوفا لكنها ظلت في المقابل وفية لروح الفلامنكو .
* العازفات
في تجاوز للصورة النمطية للمرأة في المشهد الفني، قلبت "لاس ميغاس" المعادلة إذ تتولى هذه الفرقة النسوية الغناء والعزف والتأليف وقيادة الفرقة.
وقد أثبتن أن الفلامنكو يمكن أن يروى بصوت أنثوي لا بوصفه استثناء بل بوصفه قاعدة جديدة تعكس قدرة المرأة على صياغة رؤيتها الخاصة للعالم .
ولذلك لا عجب أن تتوّج هذه التجربة بجائزة "Latin Grammy" لأفضل ألبوم فلامنكو سنة 2022 بعد ثلاث ترشيحات متتالية.
وهو تتويج بمثابة اعتراف بمشروع فني صبور ومتماسك أعاد للفلامنكو مكانته بوصفه لغة متجددة لا تقبل الانغلاق أو الجمود.