في ذكرى ميلاده: الصحبي فرحات، أحد مؤسسي الاتحاد العام التونسي للشغل، مسيرة عطاء ونضال

حتى لا ننسى: في ذكرى ميلاد الصحبي فرحات.. مسيرة عطاء ونضال بقلم الاستاذ أسامة الراعي*
يكتب الاستاذ أسامة الراعي في هذه الحلقة من "حتى لا ننسى" عن المناضل النقابي والدستوري الصحبي فرحات أحد مؤسسي الاتحاد العام التونسي للشغل.
ولد الصحبي فرحات في 2 جويلية 1902 و توفي في 24 أكتوبر 1963، (61 سنة).
بعد أن أتم دراسته الابتدائية والثانوية، تخرّج الصحبي فرحات معلمًا من مدرسة ترشيح المعلمين بالڨرجاني في العاصمة.
بدأ مسيرته التعليمية في جامة بولاية سليانة حاليًا، لينتقل بعدها للتدريس في مناطق مختلفة، ويُكلل مسيرته بإدارة مدرسة نهج باب الخضراء بالعاصمة. إلا أن شغفه بالعدالة ومبادئه لم تكن لتمر دون ثمن، فنُقل خلال العام الدراسي 1958-1959 لإدارة المدرسة الابتدائية بالجواودة بولاية القيروان، في خطوةٍ اعتُبرت عقابًا له على انتمائه للحزب الدستوري القديم ومعارضته للنظام آنذاك.
لم يقتصر نشاط الصحبي فرحات على التعليم، فقد كان له دورٌ محوريٌ في العمل الجمعياتي والنقابي. انتُخب عضوًا في "جمعية الشبان المسلمين" في ماي 1929، وترأس لجنة الكشافة والرياضة في مؤتمرها عام 1946. كان من المؤسسين الأوائل لنقابة المعلمين عام 1936، مما أهّله لعضوية الجامعة العامة للموظفين التونسيين. ولم يتوقف طموحه عند هذا الحد، فقد كان أحد الأعمدة الأساسية في تأسيس الاتحاد العام التونسي للشغل، وتولى مهمة كاتب عام مساعد في مؤتمره التأسيسي عام 1946. كما انتُخب في أكتوبر 1957 أول رئيس تونسي لتعاونية الحوادث المدرسية والجامعية، ليُرسخ بذلك مكانته كقائدٍ نقابيٍ بارز.
في المجال السياسي، كان الصحبي فرحات من أنصار عبد العزيز الثعالبي، وانضم منذ شبابه إلى الحزب الحر الدستوري التونسي (القديم). كان "غرنوطيًا" ومُعارضًا للزعيم بورقيبة، إلا أنه لم يكن يوسفيًا كما قد يشيع البعض، بل كانت مواقفه نابعةً من قناعاته ومبادئه الراسخة.
لقد دفع الصحبي فرحات ثمن مواقفه السياسية، حيث تم إيقافه بعد الكشف عن محاولة انقلابية في ديسمبر 1962. أُحيل على المحكمة العسكرية في مارس 1963، وأصرّ خلال المحاكمة على إنكار مشاركته في المحاولة الانقلابية، مبررًا لقاءه ببعض المتهمين بأنه كان يبحث معهم تأسيس حزب جديد. ورغم ذلك، حُكم عليه بسنتين سجنًا، وهو حكمٌ اعتُبر مخففًا نسبيًا مقارنةً بأحكام الإعدام والسجن المؤبد التي صدرت بحق بقية المتهمين.
وافته المنية في سجن غار الملح سيء الصيت يوم 24 أكتوبر 1963، وتذكر بعض المصادر أنه توفي أثناء تقله من السجن إلى منزله بعد أن ساءت حالته الصحية ليُسدل الستار على حياة حافلةٍ بالنضال والعطاء.
لم يكن الصحبي فرحات مناضلًا فحسب، بل كان كاتبًا ومثقفًا، حيث كتب باستمرار في الصحافة الوطنية، ومن أبرزها جريدة "الاستقلال" و"السهم" الكشفية. كما قدّم العديد من المحاضرات، منها محاضرةٌ قيمةٌ في باريس أواخر جويلية 1937 في المؤتمر الدولي للتعليم الابتدائي والتربية الشعبية. وفي عام 1929، صدر له كتيّب بعنوان "النشأة الإسلامية" عن المطبعة الرسمية، ليُثبت بذلك عمق فكره وثقافته.
رحل الصحبي فرحات، لكن إرثه ما زال حيًا من خلال أبنائه المعروفين على الساحة الثقافية والحقوقية، مثل محمد رجاء، أسامة، صفية وزينب فرحات، الذين حملوا مشعل النضال والوعي من بعده في مجالات مختلفة.
في ذكرى ميلاده، نتذكره كرمزٍ للإخلاص، والتضحية، والوفاء لوطنٍ آمن به حتى الرمق الأخير.
* من صفحته على موقع الفايسبوك.