بين 34 و46 كلم: أي مسافة حقيقية قطعتها البريئة مريم بين شاطئ قليبية ومكان العثور عليها؟

الشعب نيوز/ مصادر ووسائط - بعد حبس انفاس التونسيين وغيرهم طيلة ثلاثة ايام، عثرت فرق الإنقاذ وأطقم الغواصين، على جثة الطفلة مريم، صاحبة الثلاث سنوات، طافية في عرض البحر، بعد 72 ساعة من فقدانها، حيث جرفتها الأمواج بعيدا بفعل قوة الرياح، ولم يتمكن أفراد أسرتها من اللحاق بعوامتها.
بدأت القصة في زاوية من شاطئ عين غرنز بمدينة قليبية، حيث جلست أم تونسية في عطلة قصيرة مع طفلتها مريم.. وضعتها على عوامة ملونة، ولفت خيطًا حول خصرها مثل حبل الصرة ظنًا منها أنها بذلك تضمن لها الأمان، لم تكن تعلم أن البحر لا يقيد بخيوط ولا يردّ من يختاره.
كانت مريم، ذات الثلاثة أعوام، تضحك وتلوح بيديها الصغيرتين، والموج يلاعبها، ثوانٍ فقط كانت كفيلة بتحويل الضحكة إلى صرخة، والعطلة إلى مأتم، والعوامة إلى تابوت طافٍ في عرض البحر.
السبت الأسود.
منذ صباح يوم السبت 28 جوان، تحول الشاطئ إلى مسرح استغاثة، «مريم راحت»، كانت الصرخة الأولى التي أطلقتها الأم حين انقطع الخيط، حاول الأب الركض وسط الموج، صرخ باسمها، هرول، غاص، تشبث بالأمل، لكنه لم يستطع مجاراة التيارات القوية.
ووفق رواية عم الطفلة، التي أدلى بها لإذاعة موزاييك، فإن الرياح كانت شديدة والموج عاتٍ لدرجة أن الأب كاد أن يغرق هو الآخر لولا تدخل سريع لإنقاذه.
الحماية المدنية في تونس أطلقت أكبر عملية بحث في شواطئ الوطن القبلي، بمشاركة فرق من الحرس البحري، جيش البحر، غواصين، طائرات دون طيار، زوارق نجدة، وفريق للإسناد التكتيكي مزود بمعدات متطورة، حتى أن أهالي المنطقة شاركوا بقلوبهم، وبعيونهم التي لم تفارق الأفق.
روايات متضاربة
في اليومين التاليين، تعاظمت حكايات الناس، البعض قال إنها اختطفت، واستند إلى شهادة سيدة زعمت أنها رأت شخصًا يحملها فوق سطح منزلها. غواص أشار إلى إمكانية وجودها عالقة في قاع البحر، بينما تحدث مصدر أمني عن احتمالية انجرافها بعيدًا، الكل كان يحاول أن يتمسك بخيط أمل، أن تعود مريم، أن يسمع صوتها، أن يُرى ظلها، أن تتحرك العوامة وحدها.
وبعد 72 ساعة من البحث، تم العثور عليها مساء الاثنين 30 جوان وهي تطفو بالقرب من ميناء بني خيار، على بعد 20 كيلومترًا من المكان الذي فقدت فيه. سلم الجثمان إلى الأسرة وسط مشهد جنائزي ، ولا كلمات يمكن أن تصف وداع أم لطفلتها، لا عدسات قادرة على التقاط ارتجاف قلب أم فقدت نبضه، ولا بحوث الإنقاذ قادرة على تفسير فقد لا يعوض.
الطفلة مريم
المأساة أثارت أسئلة كبرى حول السلامة على الشواطئ، وادلت اطراف كثيرة برايها في الموضوع، نصائح، تنبيهات، معلومات، معطيات وتحذيرات شديدة اللهجة ودعوات ملحة بعدم الاطمئنان للبحر ولم لا عدم الذهاب اليه مرة واحدة لا سيما في ظل الحرارة الشديدة السائدة هذه الايام والتقلبات المناخية الحادة.
خبر الحادثة انتشر في العالم ووصل الى مصر حيث شدد الدكتور رأفت حمزة، أستاذ الغوص والإنقاذ بجامعة الإسكندرية، على أن العوامات المطاطية لا تصلح للاستخدام في البحر، خصوصًا في الظروف الجوية الصعبة.
وقال: «الناس تعتقد أن العوامة تحمي الطفل، لكنها في الواقع تعرضه لخطر أكبر، خصوصًا في وجود تيارات قوية، ما حدث مع مريم نموذج مأساوي لتلك الثقة الخادعة»‘ وأوضح أن العوامة قد تنقلب بسهولة أو تنزلق من الطفل، أو تسحب داخل البحر بفعل الرياح، كما حدث بالفعل.
في المقابل، ينصح المختصون باستعمال بالونات الهواء التي يقع تثبيتها في الايدي.
وبحسب شهادة الغواص التونسي ختام ناصر، فإن شاطئ عين غرنز يعد من أخطر الشواطئ في المنطقة، بتياراته الهوائية ومياهه العميقة، ورغم ذلك، لا يتوفر فيه منقذون ولا مراقبة كافية، ما جعل الحادثة تتكرر مرارًا في أماكن مماثلة، ويختتم قائلا «العوامات ليست أدوات نجاة، بل قد تتحول إلى وسيلة غرق.«
تفاصيل اللحظات الأخيرة
يقول عم مريم في روايته للتفاصيل أن الأمر بدأ عندما كانت الطفلة مريم تسبح على متن عوامة مطاطية رفقة والدتها، لكن مع هبوب رياح قوية وفي لحظة غفلة ابتعدت عنها، ورغم محاولات التدخل لإرجاعها اختفت عن الأنظار في غياهب البحر.
وروى عم مريم لإذاعة "موزاييك"، ان مريم كانت حسب قوله داخل “طوافة” مربوطة بحبل في خصر والدتها لتأمين سلامتها، إلا أن موج البحر العالي والرياح القوية تسببا في انفصال الحبل وفقدان الطفلة.
وأضاف: "والد مريم لحق بها وغاص قرابة 1.5 كم داخل المياه وكان يتحدّث معها، محاولًا إنقاذها، إلا أنه شرب الماء وكاد يغرق، قبل أن ألحق به وأنقذه، لكنني لم أستطع اللحاق بمريم التي أخذتها الرياح والأمواج العاتية إلى قلب البحر".
وتابع متأسفا أن التفاعل مع الحادثة كان بطيئًا، حيث تأخرت الحماية المدنية في التدخل بسبب نقص المعدات، وخصوصًا الغواصات، كما أوضح أن ما جرى مقدرا وليس إهمالا من والدتها أو أي فرد آخر من العائلة.
عن المسافة بين النقطتين
في خضم الحديث عن ضياع مريم من شاطئ قليبية الى مكان العثور عليها، اختلفت الروايات حول أمرين نقطة العثور على مريم والمسافة الفاصلة بين القطة المذكورة وشاطئ قليبية.
فمن قائل انه تم العثور عليها قبالة مدينة قربة (في ولاية نابل وليس جربة كما كتب بعض الزملاء العرب) فان صحت المعلومة تكون المسافة الدنيا - اي المستقيمة - التي قطعتها مريم هي 34 كلم ونصف علما وان مسافة الطريق بين شاطئ قليبية ومدينة قربة (وليس جربة) هي 38 كلم.
في الرواية الثانية، تردد انه تم العثورعلى جثة الفقيدة البريئة مريم قبالة ميناء بني خيار، وفي هذه الحال تصبح المسافة الدنيا - اي المستقيمة - التي قطعتها الطفلة الملاك مريم هي 46 كلم علما وان المسافة بالطريق هي 51 كلم ونصف.
نتحدث عن المسافة الدنيا اي المستقيمة لاننا لا نعرف المسافة الحقيقية وهي دون أدنى شك أطول باعتبار ان التيار جرف مريم الى داخل البحر الى عمق لا يعلمه أحد ثم أعادها الى العمق الذي عمل فيه الغواصون وفرق الحماية والحرس والجيش.
خريطة تظهر المسافة بين شاطئ قليبية وشاطئ قربة وهي 38 كلم على الطريق و34 ونصف مستقيمة
خريطة تظهر المسافة بين شاطئ قليبية وميناء بني خيار وهي 51 كلم ونصف على الطريق و46 كلم مستقيمة