خاطرة:التشغيل..المناولة

الشعب نيوز/ آراء حرّة -عبدالحميد بن قياز: في النظام الرأسمالي تعتبر قوة العمل سلعة تخضع الى قانون السوق(عرض وطلب)..هناك عارض حرّ(العامل بلحمه ودمه) وهناك شاري حرّ(صاحب رأس المال)..ويخضع سعر قوة العمل(الأجر)الى نفس النواميس المحددة لأسعار مختلف السلع الأخرى..مع ارتفاع عدد العاطلين(العرض)،م ناحية،وركود الاستثمار(الطلب)،من ناحية ثانية،تواجد في فضاء"سوق العمل"سماسرة يلعبون دور الوسيط،بمقابل مادي، بين عارض قوة العمل وطالبها،وهم طبعاً في خدمة الطرف الثاني على حساب الأول..وفي إطار ضغوط الرأسمال وقع التشريع الماحق للمكتسبات الاجتماعية،من بينها الحقوق الشغلية المكتسبة،مثل الانتداب والترسيم والتغطية الاجتماعية..الخ،وحلّ محلّها التشريع التشغيل الهشّ الى جانب الحوافز المالية والجبائية بداعي توفير مناخ الاستثمار والتشغيل..في هذا الإطار وقع التشريع بإحداث "المؤسسات المقاولة"للإشراف وإدارة سوق التشغيل،خاصة الأنشطة غير المُنتجة الموسمية(حراسة،تنظيف،صيانة)،وهي الأنشطة المعنية بالقانون الصادر مؤخرا،المانع للمناولة..
إذن،المسألة تهمّ كيفية تسويق قوة العمل! من التسويق المباشر الحرّ de gré à gré الى التسويق عن طريق وسيط(شركة مناولة أو شركة إسداء خدمات)..من الناحية الشكلية،ليس هناك اختلاف بين القديم والجديد سوى التسمية،لأن جوهر العلاقة ثابت لم يمسسه المشرّع إلا في مسائل ترتيبية تهمّ نوعية عقود التشغيل(محدّدة أو غير محدًدة)مع استثناءات تمثّل منافذ للتهرّب من العقوبات المدرجة في القانون الحالي..وهل ستتكاثر الشركات الأهلية القيام بمهمات"شركات إسداء الخدمات والقيام بأشغال"؟
إن القضاء على المناولة يقتضي القطع مع أسباب نشأتها..لا أقول القطع مع ٱليات الاستغلال السائد،لست غبيّ لأصدح بهذا في الوقت الحاضر،ولا الادعاء بثورية القانون،لأنني لا أتقن ضرب البندير..ليكن أمر التشغيل بدون سماسرة،ذوات شخصية أو ذوات معنوية،وبدون رشوة ولا زبونية! ها إنني ليبرالي طوباوي،لأنني أقدم وصفة مستحيلة التنفيذ في ظل احتداد التناقضات التي تنخر الجسم الرأسمالي عالميا.. والحال تلك فالمعركة لن تتوقف عند التشريع القانوني بل ستستفحل عند التنفيذ،خاصة في ظل حالة الركود الاقتصادي،أي في ظل ظرف يتجاوز العرض(البطالة وخاصة ممن لا يشملهم القانون/أصحاب الشهائد العليا والتقنيين)،يتجاوز عشرات المرات الطلب(استثمارات ضعيفة و/أو إدخال التكنولوجيات الحديثة في مجال الأنشطة المعنية بالمقاولة أو إسداء الخدمات)وفي ظل اقتصاد يعتمد على مجالات معروفة بنشاطها الموسمي وبالتالي بالطلب الموسمي لليد العاملة.
أما عن إمكانية التعويض المالي للعملة في صورة التسريح،عن طريق صندوق متوفر أو سيقع إحداثه،فإن الأمر عندئذ لا يتوقف عند مدى جدوى التدخل والإسناد من عدمه،بل عن مصادر تمويل الصندوق،وهو لعمري أمر يستدعي تمويلات ضخمة ضخامة عدد العاطلين المتزايد من يوم الى ٱخر.
نعم،نعم،لا للسمسرة باليد العاملة مهما كان شكلها..نعم،نعم لمراكمة المكاسب إذا كان في القانون مكاسب،وعلى المدافعين عنه تبيان ذلك بالأرقام والمؤشرات.
في الأخير،أقول بأن المسكنات لا تنفع في ظل احتداد الأوجاع(البطالة والتشغيل الهشّ)لإن الأمر يستدعي التفكير في القطع مع الاستغلال أصلا،أي القطع مع بيع قوة العمل،وهذا أمر مستحيل الانجاز في الوقت الحاضر،في ظل اختلال موازين القوى محليا ودوليا.