وطني

*وزير الشؤون الاجتماعية.. " وجود قرابة 6 ملايين فقيرا في تونس هو جريمة وفضيحة وسنسعى لفرض الدولة الاجتماعية ببرامج جديدة لمكافحة الفقر.. "

*"كشفنا تلاعبا بالمساعدات والهبات من طرف مسؤولين اداريين وكل من اجرم سيحاسب"

*"اتخذنا مجموعة من الإجراءات لايقاف نزيف الصناديق الاجتماعية ولاصلاح الضمان الاجتماعي"

 

على طاولة وزير الشؤون الاجتماعية، ملفات متشعبة وأخرى ملغومة وثالثة حارقة وغيرها مثقلة بالازمات وبين هذا الملف وذاك يوجد اخر دقيق وحساس، وكلها تتطلب نظرا وتمحيصا وتدقيقا ودراسة ثم حسما وبتا فيها في اجال محددة ان لم نقل عاجلة..

إشكاليات بالجملة، مطروحة داخل وزارة الشؤون الاجتماعية، انطلاقا من التفاوض الاجتماعي مرورا بمكافحة الفقر وبرامج القضاء على العوز وصولا الى اختلال التوازنات المالية للصناديق الاجتماعية و إشكالية الملحقين الاجتماعيين وغيرها..

كل هذه المحاور واكثر تم التطرق اليها في حوار جمعنا بوزير الشؤون الاجتماعية السيد مالك الزاهي..

 

ماهو تعليقكم على قرار الهيئة الإدارية الوطنية بخصوص رفض المشاركة في الحوار الوطني بصيغته الحالية؟

قناعتنا راسخة وثابتة في ان الاتحاد العام التونسي للشغل الذي قاد عدة محطات تاريخية هامة في البلاد والذي تزعم الملاحم المصيرية، لن يكون في النهاية الا مع المصلحة العليا للوطن..ونرى ان قرار الاتحاد ليس الرفض المطلق للحوار، وانما هو رفض معلل بامور شكلية مما يعني ان باب الحوار مع المنظمة الشغيلة مازال مفتوحا، لا سيما وان الهيئة الإدارية ستظل في حالة انعقاد دائم بما يعني ان هناك فرصة أخرى للجلوس مجددا على طاولة النقاش مع الاتحاد ومحاولة تقريب وجهات النظر مرة أخرى.

على ذكر التفاوض مع الاتحاد تعهدتم خلال لقائكم الأخير بالأمين العام الأخ نور الدين الطبوبي، بتفعيل اتفاقيات 06 فيفري 2021 المطروحة ضمن لجنة 5 زائد خمسة وبتنزيل الملاحق التعديلية للزيادة في الأجور، الى أي مدى تم الالتزام بهذا التعهد؟ وماهي اجال تطبيق ما وقع الاتفاق حوله ؟

في الحقيقة كانت لنا سلسلة من اللقاءات مع الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل لرسم ملامح الحوار الوطني بالأساس، وفي لقائنا الأخير اتفقنا على الخطوط العريضة لانجاح 5+5.

وقد اتفقنا مع أعضاء المكتب التنفيذي الوطني على مواعيد وتواريخ محددة لتطبيق وتفعيل عدد من النقاط.

اتفقنا أولا على تعديل وتغيير المنشور عدد 20، حيث توصلنا الى ان يكون بصياغة متفق عليها وتحترم حق الدولة من جهة وحق العمل النقابي وحق التفاوض من جهة أخرى. وحسب اتفاقنا في اخر لقاء ان يكون المرسوم المعدل والشامل للتغييرات اللازمة جاهزا خلال الجلسة المقبلة التي ستجمعنا باعضاء المكتب التنفيذي.

كما اتفقنا بان المنشور 20 قد عطل الحوار الاجتماعي وان اطرافا أخرى استغلته لاسباب سياسية لنسف التفاوض وتأزيم الوضع.

اما فيما يتعلق بالاتفاقيات الممضاة، والبالغ عددها 46 اتفاقية، فقد تم تفعيل عدد منها ووقع الاتفاق على تفعيل البقية العالقة والتي قدمنا للاتحاد مقترحا بخصوصها ويتمثل في تفعيل 25 بالمائة من مفعولها المالي حاليا  والبقية سنة 2023.

اما بالنسبة الى المفاوضات الاجتماعية، فقد وقع الاتفاق على ان تنطلق بتاريخ 11 جويلية المقبل.

وفيما يخص الملاحق التعديلية للأجور، فقد تم الى حد الان تنزيل 13 منها في القطاع الخاص وتم توقيع 6 ملاحق أخرى سيقع تنزيلها أيضا وسيتم تنزيل البقية تباعا.

ووقع أيضا الاتفاق من حيث المبدأ على الزيادة في الاجر الأدنى المضمون، باعتباره لا يلبي الحد الأدنى من احتياجات المواطن التونسي، على ان يكون ذلك خلال سنة 2023.

هذه اللقاءات وتلك الاتفاقات، هل اذا ساهمت في اذابة كرة الثلج التي تشكلت مؤخرا بين وزارتكم وبين المنظمة الشغيلة والتي تسبب فيها اختلافكما حول بعض التفاصيل او الجزئيات ان صح القول؟

علاقتي بالاتحاد العام التونسي للشغل لا يمكن ان تتزعزع ابدا، ومن يسعى الى خلق فتنة بيني وبين الاتحاد هو حتما واهم ومخطئ.. وللتوضيح، فان الاشكال الوحيد الذي حاول البعض استغلاله لتوتير العلاقة بيننا وبين المنظمة الشغيلة تمثل في اضطراري للتغيب عن الجلسة الصلحية المتعلقة بقطاع البريد، وذلك بسبب تكليفي من رئيسة الحكومة ورئيس الجمهورية للتنقل الى ساقية سيدي يوسف لاحياء ذكراها. ورغم ذلك كلفت من ينوبني لحضور الجلسة وهي رئيسة الهيئة العامة لتفقدية الشغل السيدة حياة بن إسماعيل والسيد رئيس الديوان. وكنت قد فسرت هذه النقطة لاعضاء المكتب التنفيذي ووجدت منهم تفهما.

وماذا عن الجلسات الصلحية الأخرى التي اشرفتم عليها والتي انتقدت فيها الأطراف النقابية حضوركم "السلبي" باعتبار اكتفاءكم بتسجيل الموقف النقابي دون سعي منكم الى تسهيل الحوار والتفاوض بين الطرفين الإداري والنقابي؟

بالعكس، كنا نمارس دورنا كما يجب من حيث تسهيل النقاش او الحوار ودفعه نحو إيجاد حل يرضي الطرفين. ونعتقد انه لا يمكن للوزير ان يفرض على الأطراف الإدارية الاستجابة للمطالب النقابية.

وللعلم فان وزارة الشؤون الاجتماعية معروف عنها عبر التاريخ، ان لها علاقة متينة بالاتحاد العام التونسي للشغل، وستبقى كذلك دائما وابدا، لكن أحيانا نتوصل الى نتيجة في علاقة بالتفاوض بين الأطراف الإدارية والنقابية واحيانا أخرى نفشل، وعموما لم يسبق لوزارة الشؤون الاجتماعية ان اخلت بدورها.

ونحن نتحدث عن الأدوار التي تقوم بها وزارة الشؤون الاجتماعية، ماهي الخطط او الاستراتيجيات او الإجراءات التي وقع اعتمادها او حتى اعدادها لمكافحة الفقر، سيما وان نسبته في ارتفاع خطير؟

ساقول بوضوح انه وعند قدومنا الى هذه الوزارة وجدنا انه لم يقع اتخاذ أي اجراء ولا اتباع اية سياسة لمجابهة الفقر. ويمكن وصف ما مرت به تونس في هذا المجال هو بمثابة الفضيحة او الجريمة. فعدد العائلات المعوزة كانت في حدود 310 الف عائلة في 2010 . اما اليوم في 2022، فقد اصبح لنا اكثر 960 الف عائلة محدودة الدخل وعاجزة. ولو اعتبرنا ان العائلة تتكون من أربعة افراد مثلما هو متفق عليه، فانه وبعملية بسيطة نجد انه لنا في تونس قرابة 4 ملاين فقير في تونس.

إضافة الى تآكل الطبقة المتوسطة وانقسامها الى جزئين، جزء نزل مع الطبقة السفلى وجزء اخر ظل في مكانه، وبالتالي نضيف الى عدد الفقراء اكثر من مليون و600 وبالتالي نجد ان قرابة 6 ملايين تونسي يرزحون تحت خط الفقر، بمعنى ان نصف الشعب التونسي يعاني. وخلاصة القول اننا تحملنا الوزارة في اصعب الفترات.

وجدنا الدولة تقدم منحا قارة الى 278 الف عائلة معوزة وتقدر ب 180 دينار للعائلة الواحدة.

ورغم عجز الميزانية، الا اننا تمكنا من ترفيعها الى 200 د، أي اضفنا 74 مليار سنويا الى حجم هذا المنح.

كما تمت إضافة 50 الف عائلة أخرى بالمنح القارة السالفة الذكر، مع انجاز المعرف الاجتماعي الذي يعد مكسبا كبيرا باعتبار اننا وجدناه متوقفا ومعطلا وتتجاوز نسبة الاشتغال عليه 40 بالمائة، فاتممنا هذا المنجز، واصبح لكل مواطن معرف اجتماعي بمن في ذلك المواليد الجدد والذي سيرافقهم طوال حياتهم.

ومن بين المنجزات الأخرى للوزارة هي تمتيع الأطفال دون 6 سنوات ب 30 دينار ودون سقف و50 دينار لكل تلميذ من أبناء العائلات المعوزة ولكل طالب 120 دينار.

ما يمكن التأكيد عليه اننا ماضون قدما نحو إرساء الدولة الاجتماعية الراعية. ويمكن اعتبار ان المجلس الأعلى للتنمية الاجتماعية مولودا كبيرا وله دور مهم يتمثل في رسم السياسة الاجتماعية.

وقد وقع إصداره مؤخرا بالرائد الرسمي على ان يرى النور قريبا على ان تكون فيه وزارة الشؤون الاجتماعية هي المقرر، وسكون فيه كل الوزارات المعنية والمنظمات الوطنية التي تعنى بالشأن الاجتماعي والجمعيات ممثلة فيه.

ماهي الملفات التي سيتم طرحها في المجلس الأعلى للتنمية؟

من اول البرامج والملفات التي سيقع طرحها هو برنامج التمكين الاقتصادي للعائلات المعوزة والمحدودة الدخل. ويتمثل هذا البرنامج في اسناد منح تصل قيمتها الى 50 الف دينار لانجاز مشاريع.

وقد تم الى حد الان رصد قرابة 7 مليارات و900 الف دينار وسنعمل على تشريك كل المنظمات والوزارات لدعم هذا البرنامج، ليشمل اكثر عائلات مع تمتيع المنتفع بالتغطية الاجتماعية لمدة سنتين.

وستكون للوزارات صفة الزامية للمساهمة في دعم هذا البرنامج على غرار وزارة أملاك الدولة مثلا  والتي هي سلطة اشراف على الأراضي الدولية يمكنها المساهمة من خلال اسناد ارض دولية الى المنتفع ببرنامج التمكين الاقتصادي ليقيم عليها مشروعه مع مراقبته.

في اطار سياق المنح والهبات والمساعدات، اقدم عدد من المسؤولين الإداريين على التلاعب بتلك المساعدات او الاستيلاء عليها، برايكم هل يعود ذلك الى تعدد مسالك تقديم تلك المساعدات، ام مرده نقص الرقابة؟

انا لا انكر انه تم التلاعب فعلا بالمساعدات والهبات، بل اؤكده واضيف انه تمكنا من كشف حالات، وهي محل متابعة من طرف التفقدية العامة، واعتقد ان النقص في الرقابة كان فادحا. ولهذا تم الاشتغال على إعادة الثقة بين الدولة وشعبها، وذلك عبر إيصال المساعدات لمستحقيها وفي احسن الظروف، مع محاسبة كل من اجرم، وهو ما تفسره التغييرات التي تم اتخاذها مؤخرا من طرف وزارة الشؤون الاجتماعية في صفوف عدد من المسؤولين.

وماذا بخصوص الصناديق الاجتماعية التي تعاني من اختلالات حادة في توازناتها الاجتماعية، هل هناك خطة لانقاذها واصلاحها؟

دعيني أولا أوضح انه لم يتم من قبل انتهاج اية سياسة إصلاحية مطلقا. ولعل اكبر دليل على ذلك هو بلوغ عجز الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي سنة 2022 الى 1440 مليارا، كما بلغ عجز صندوق التقاعد الحيطة الاجتماعية الى حدود السنة الحالية أيضا 472 مليارا. اما صندوق التامين على المرض فحقق ربحا ب 875 مليون  ولكنه ربح على الورق فقط، وهنا نتساءل اية سياسة إصلاحية، اتخذت سابقا؟ وبالتالي وجب اتخاذ قرارات إصلاحية لايقاف هذا النزيف.

وقد قمنا بإدخال الصناديق الاجتماعية للبرنامج الإصلاحي لصندوق النقد الدولي. كما تم إصلاح المنظومة الداخلية للاعوان لتسهيل عملهم، فوقع انتداب 100 مراقب جديد لجعل منظومة الاختلاص اكثر فاعلية.

وقمنا أيضا بتنويع مصادر التمويل والذي كانت من ضمنه الاقتطاع من الاجور والمقدرة بنسبة 1 بالمائة والتي كانت تقتطع باسم دعم الصناديق ولكنها لا تحصل الا على جزء بسيط منها بينما تذهب البقية الى ميزانية الدولة، وقد تم اتخاذ قرار لاعادتها الى مسارها الطبيعي والمتمثل في دعم الصناديق، وتحت اشراف وزارة الشؤون الاجتماعية وليست المالية.

ومن المنتظر ان تقع إعادة النظر في منظمة الضمان الاجتماعي ككل لما تحتويه من خلل كبير الذي عمق ازمة وعجز الصناديق. ونتوقع ان يتم تغطية عجز الصناديق في غضون سنتين، على ان يتم فيما يعد إيقاف الاقتطاع بنسبة 1 بالمائة.

ومن الإجراءات التي قد تساهم في تقليص العجز هي فرض تعريفات رمزية على الوثائق التي يتم استخراجها من الصناديق على غرار ما يتم العمل به في البنوك وفي عدد من المؤسسات الأخرى. وهذه التعريفات باعتبارها رمزية وضئيلة جدا، فلن تؤثر على المواطن ولكنها ستساهم في تقليص العجز عن الصناديق.

ومن بين الإصلاحات الأخرى المقترحة هي الترفيع في سن التقاعد في القطاع الخاص شرط  الاتفاق بين الاجير والمؤجر، فتصبح سن 62 ليست اجبارية وانما اختيارية.

الا تعتقد ان مجال الملحقين الاجتماعيين في حاجة هو أيضا الى الإصلاح، لا سيما وان هناك انتقادات كبيرة في هذا الخصوص واتهامات باعتماد المحاباة في تعيين الملحقين عوضا عن اعتماد الكفاءة والاهلية؟

أولا لا بد من التأكيد على أهمية هذه الخطة وعلى القيمة الكبيرة لدور الملحق الاجتماعي. وكان هذا التكليف يمنح في السابق على اعتبار انه مكافأة لأشخاص معينة حتى من خارج وزارة الشؤون الاجتماعية، وهو ما لا سبيل اليه اليوم. ولهذا تم اتخاذ قرارات مهمة في هذا الخصوص بالنظر الى ان نتيجة الانتقاءات والتكليف المغلوط، كان الأداء هزيلا، مما افقد ثقة الجالية التونسية في ديوان التونسيين بالخارج وفي دولتهم. وكان اول قرار وقع اتخاذه هو عودة كل الملحقين الاجتماعيين في 53 دولة.

وكانت المكافأة مدتها خمس سنوات، فارتأينا انه يجب التقليص في هذه المدة الى ثلاث سنوات مشفوعة بتقرير شهري عن نشاطهم وبتقييم سنوي لادائهم. فمن ثبت من خلال التقييم انه يقوم بدوره على اكمل وجه، يكمل المدة ومن يثبت انه مقصرا ومهملا لوظيفته، يتم انهاء تكليفه.

وفي مرحلة ثانية قمنا بتعيين الدفعة الأولى من الملحقين الاجتماعيين وفق دليل الإجراءات الموجود في ديوان التونسيين بالخارج، وعددهم 20 ملحقا، من ضمنهم 8 تعيينات لسد شغورات في بلدان لم يكن فيها أي ملحق. وسيتم الحاق الدفعة الثانية خلال الصائفة المقبلة.

وقمنا أيضا بفتح 3 مكاتب جديدة على غرار الولايات المتحدة الامريكية ولندن وفي افريقيا رغم ارتفاع عدد الجالية التونسية.

وقد قمنا ببعث اكاديمية لتكوين الملحق الاجتماعي. كما تم اعداد برامج جديدة عن طريق ديوان التونسيين بالخارج والتي سترى النور قريبا، من ضمنها لجان استقبال للتونسيين بالخارج وتم أيضا بعث صندوق جديد تحت اسم صندوق التونسيين بالخارج لحل مشكل المساعدات التي ترغب جاليتنا في تقديمها لبلادها ولم تجد سبيلا الى ذلك. وسيمكن هذا الصندوق من مساعدة تونس ومساعدة التونسيين بالخارج لانفسهم ولأنه وقع اتخاذ قرار يتعلق بان يخصص جزء من مداخيل هذا الصندوق لدعم تعريفات التذاكر الخاصة بهم سواء في الخطوط التونسية او في شركة الملاحة.

اجرت الحوار حياة الغانمي

 

ملاحظة..نظرا للطابع الخاص للمعطيات التي يحتويها الحوار، ولوفرة المادة التحريرية في الجريدة الورقية، فضلنا ان ننشر الحديث مع وزير الشؤون الاجتماعية كاملا في "الشعب نيوز" حتى لا يفوت أوان هذه المعطيات.