آراء حرة

ناتويّة الهوى غربيّة الهويّة.. أيّ رياح انسانيّة كاذبة تهبّ على القنوات العربيّة؟

 

بقلم ..خليفة شوشان

وأخيرا وبكبسة زرّ أمريكي-أوروبي توحّدت المضامين الاخباريّة لكبرى القنوات الفضائيّة العربيّة التي لم تتحّد خطوط تحريرها يوما على قضيّة عربيّة واحدة بما فيها القضيّة الأمّ الفلسطينيّة رغم أنّها أكثر القضايا الانسانيّة العادلة الصامدة لأكثر من قرن ضدّ أعتى ٱلة موت عنصريّة دمويّة عرفتها البشريّة ممثلة في الكيان الغاصب الصهيوني.

منذ انفجرت "الأزمة الروسيّة الأكرانيّة" أتنقل بين كبرى القنوات العربيّة من الجزيرة إلى العربيّة وأخواتهما من اعلام البترو-دولار بكلّ باقاتهما الاخباريّة التي تنقل الأخبار دون توقّف على مدار الساعة. اتابع نشراتها وتغطياتها ومراسلاتها الميدانيّة وضيوفها من سياسيين وخبراء اقتصاديين وعسكريين، يسردون على مسامعنا نفس السرديّة الاعلاميّة الاتصاليّة والدعائيّة الرسميّة الأمريكيّة الأوروبيّة الحكوميّة الأوكرانيّة، ويذكّروننا بما شاء الله من فيض القيم الانسانيّة ومبادئ الدفاع عن السلم العالمي وحقّ الشعوب في تقرير مصيرها ورفض العدوان والتدخّل في شؤون الدول، ويؤكدون بلا كلل ولا ملل أنّ زمن الحروب قد ولّى وانتهى وأنّ الدول والشعوب المتحضرة تحلّ نزاعاتها بالحوار والطرق السلميّة والأساليب الديبلوماسيّة وأنّ الدول المارقة والمتوحشة وحدها تتخذ من القوّة والحرب سبيلا لفض خلافاتها مهما كانت تعقيداتها ورهاناتها.

نفس الاسطوانة يتمّ اعادتها على مدار الساعة حتّى تكاد تصدّق ما تسمع أذناك لولا أنّ نقرة زرّ واحدة على نافذة الأرشيف الاخباري القريب لهذه القنوات يجعلك تستفيق على هول كذبها ونفاقها. ويداهمك السؤال أين كانت هذه المشاعر الجيّاشة زمن هرولة هذه القنوات وتسابقها تبشّر متابعيها بأخبار قصف حلف "الناتو" ليوغسلافيا والعراق وأفغانستان وسوريا واليمن وليبيا دون حسيب أو رقيب وأمام تواطؤ وصمت الانسانيّة المتحضرة بتعلّة الدفاع عن الأمن القومي الأمريكي أو الأوروبي والتخلّص من الأنظمة المارقة وتحرير الشعوب من الدكتاتوريّة والاستبداد.

يبدو أنّ الحروب الناتويّة التي تستهدف دولا وشعوبا لا تشبه الأمريكيين والأوروبيين لم تكن في ميثاقهم اللامهني حروبا ولا عدوانا بل كانت مجرّد باقات من ألعاب "الفري فاير Free Fire" لرفع السأم عن البشريّة المتمدنة التي تعيش قلقا حضاريّا من كثرة الرفاه والتخمة، ومن المحتمل جدا أيضا أنّ الصواريخ المتطوّرة والذكيّة جدا - إلى درجة التمييز بين البشر والحجر والأطفال والشيوخ والنساء والمقاتلين الأشرار وبين المدارس والمستشفيات والمساجد والكنائس والثكنات ومخازن الاسلحة ومقرات الاستخبارات - التي استخدمها "الناتو" لتنفيذ جرائمه كانت مجرّد شماريخ ومفرقعات للاحتفال ونشر السعادة بين الشعوب "الما دون بشريّة" بمناسبة كرنفالات "الاحلال الديمقراطي الناتوي" كما أفتى بذلك المشايخ من اخوان قطر ومن وهابيّي السعوديّة وملالي العراق، أو مهرجانات "للتحرير" الحقوقي والتعريج بأرواح الشعوب إلى الخلاص النهائي حيث جنّة الحقوق والحريّات المخضبة بدمائهم وببقايا كرامة أوطانهم والمرصعة بجماجم أطفالهم ونسائهم كما يدعي سماسرة الدمقراطية الزاحفة فوق ظهور الدبّابات. ما أقذركم من رهط لا يستحي حتّى في مشاعركم الانسانيّة تكذبون وتكذبون وتكذبون، وتثبتون لنا للمرّة الألف أنّكم مجرّد تبّع ومأجورين فاقدين للشرف المهني وأنّكم شرذمة من السماسرة والمرتزقة لمن يحمي عروش أسيادكم.

نحن نتعاطف مع كلّ قطرة دم تسفك ومع كل دمعة تذرف جنوبا كانت أو شمالا  "شرقا زهقت أو غربا" بقطع النظر عن جنسيّة وهويّة ضحاياها (باستثناء الصهاينة)، ولكننا نملك من الشجاعة ما يكفي لنشير بأصابعنا في أعين القتلة الحقيقيين تجّار الموت والخراب الذين يفجّرون الحروب ويستثمرون فيها ويذرفون دموع التماسيح على ضحاياها ويوظفونها دعائيا لاشعال حروب جديدة.