آراء حرة

من أجل تكوين جمعيّة تخلّد هشام جعيط وأفكاره النيّرة

بقلم عبدالله بن سعد

شيئان إثنان سيذكراني ما حييت بالمفكّر العظيم "هشام جعيّط" : الأول عندما إستدعيته يوم 21 جوان 1992 لدار الإتحاد الجهوي للشغل بقابس عندما كنت مسؤولا عن التكوين النقابي والتثقيف العمّالي ليُقدّم محاضرة حول حرب الخليج ووضع العراق بعد تنفيذ الإمبريالية الأمريكية للحصار الإجرامي ضدّ الشعب العراقي.

 بعد إنتهاء المحاضرة التي حضرها المئات من النقابيين والمثقفين الذين غصت بهم دار الإتحاد قُمت بإستدعاء الأستاذ جعيّط للعشاء في منزلي لتناول "المرقة الصفاقسيّة". طبعا رحّب بدعوتي وبعد العشاء سهرنا معا لفترة فاقت الثلاث ساعات إكتشفت فيها مفكّرا ليس فقط تونسيّا وعربيّا بل عالميّا يُصنّف ضمن المفكّرين الكبار الذين قلّ أن يجود الدهر بأمثالهم. إكتشفت أيضا ، رغم شغفي بقراءة كتبه ، إلمامه الكبير جدّا بالتاريخ الإسلامي وجرأته في الكتابة حوله  ممّا عرّضه للتكفير من طرف إخوان الظلام الإرهابيين بسبب كتابه حول محمّد باللغة الفرنسيّة   «La vie de Muhamet».

 تناقشنا طبعا حول عديد المواضيع ورغم إختلافي الإيديولوجي معه فقد تجادلنا بكل وضوح وإحترام وإتفقنا في بعض المسائل وإختلفنا في البعض الآخر. وأعتبر تلك السهرة هي أهمّ سهرة في حياتي بعد السهرة التي قضيتها في آخر تلك السنة مع الرفيق العظيم مُؤسّس الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين جورج حبش. 
أمّا الثاني فهو ما أتاه نظام بن علي العميل الذي لم يتوان ذات يوم من تلفيق تهمة أخلاقية دنيئة للمفكّر الكبير هشام جعيّط حيث قام البوليس السياسي سيّء الذكر بتنفيذ مسرحيّة سيّئة الإخراج تمثّلت في إرسال أحد أعوانه بالزي المدني ليعترض الأستاذ هشام جعيط (حيث كانوا يعرفون بالضبط المسار الذي يتّخذه كلّ يوم) ويرفع إصبعه طلبا للركوب معه وفعلا أوقف الاستاذ سيّارته وأخذه معه لكن بعد بضعة أمتار كانت دوريّة أمنية في إنتظاره حيث إنبرى الشخص الذي كان راكبا معه في الصياح متّهمّا الأستاذ جعيّط بالتحرّش به جنسيا والنتيجة كانت معلومة حيث وقع إيقافه من أجل إذلاله والتعسّف عليه لأنّه لم يطأطئ رأسه لنظام العمالة. كانت تلك العمليّة قمّة في الدناءة والخساسة وقد أثّرت كثيرا في الرجل. طبعا هذه العمليّة أتت كتكملة لمسلسل التعسّف والتنكيل الذي تعرّض له المفكّر هشام جعيّط حيث رفض نظام العميل بن علي التمديد له بعد بلوغه سن التقاعد وحرم بالتالي الطلبة والباحثين الشبان من أفكاره ومعلوماته وتأطيره.
الرجل يستحقّ كلّ التكريم ولم لا تكوين جمعيّة تخلّده وتخلّد أفكاره النيّرة.
له المجد يركع ومنّا الوفاء الذي لا ينضب ولذكراه الخلود.