آراء حرة

أسس الدور السياسي للاتحاد

هناك ظاهرة دائمة التكرار في التاريخ التونسي تتمثل في ارتفاع وثيرة الهجوم على العمل النقابي ممثلا في الاتحاد العام التونسي للشغل كلما برز خلاف بينه وبين السلطة القائمة حول التصورات الكبرى. ويتم خلال الهجوم على العمل النقابي اتخاذ الاتحاد العام التونسي للشغل هدفا للانتقاد والشتيمة والافتراء. وإذا كان مقال الحال غير مهتم بالمضمون الأخلاقي  للحملات ضد الاتحاد فانه هناك بعض الترديدات والجمل التي استفزتني للرد عنها لا لصلابتها الفكرية وقوة مضمونها بل لانتشارها الكثيف بين الجموع.

ترديدات

 وتتلخص هذه الجمل، بشكل عام، في شعارات مفادها، ما دخل الاتحاد العام التونسي للشغل بالسياسة؟ وإذا ما أراد عمل السياسة فلماذا لا يتحول الى حزب؟ ويجب على الاتحاد الاكتفاء بالوظيفة النقابية المطلبية. وهي جمل لا تعبر عن مصلحة شعبية اذ لا اعتقد أن هناك شعب قد يبلغ درجة السطحية التي تجعله يتخلى عن أسلحته في مواجهة السلطة بشتى انواعها، بل تعبر عن رغبة السلطة ومريديها وأنصارها في إرباك وإضعاف قوة اجتماعية قد لا توافق على مشاريعها او ربما ترفضها لانها لا تريد وجودها أصلا. فالترديدات المذكورة هي سياسية عدائية أكثر من كونها رأيا مبنيا على أسس منطقية. وقد يكون من الأنسب في راي التذكير ببعض الأسس التي تجل للعمل النقابي عامة وللاتحاد خاصة دورا سياسيا بالضرورة

فاعل معني بالسياسات

لابد الى الاشارة الى ان الدور السياسي هو المشاركة والتاثير في القرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي او في مسار تشكل القرار  من ناحية والتاثير في الخارطة السياسية بشكل عام. ان هذا الدور الذي يقوم به الاتحاد ليس من منطلق عدد المنخرطين والتاريخ وغيرها من النقاط التي تجعل منه قوة وازنة فتلك أمور يعلمها الجميع ولعل إدراك أعداء العمل النقابي لهذه المميزات ولمكامن قوة الاتحاد العام التونسي للشغل قد يمثل سببا إضافيا في الحنق والغضب. قلت اذا ان اهتمام الاتحاد بالسياسية وضرورة انتباهه إلى كل ما يحدث سياسيا لا ينبع فقط من واقع وزن الاتحاد فقط بل وايضا من واقع ان كل سياسة اقتصادية او اجتماعية او ثقافية تقرها الدولة او السلطة عموما ستكون لها انعكاساتها المباشرة على العمال والأجراء وعلى الاتحاد ضرورة. فنتاج افعال السلطة اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا ينعكس مباشرة على النقابيين وعلى هياكل الاتحاد. اما الامر الثاني والذي يدعو الى ضرورة التدخل في الشان السياسي هو طبيعة العمل النقابي والنقابات باعتبارها مدرسة للثورة او باعتبارها فضاء للتوافق الاجتماعي فالنقابة ليست فضاء محايدا جامدا بل هي فضاء اجتماعي وسياسي ينتج عنه اتخاذ القرارات للدفاع عن عم مصالح المنخرطين وهي بالتالي فاعل عقلاني غائي او للدفاع عن قيم وثوابت مجتمعية وهو بالتالي فاعل عقلاني قيمي على المعني الفيبري.

لم تكد تخلو بطحاء محمد علي الحامي او الساحة الوقتية للمقر الجديد بشارع الولايات المتحدة الأمريكية من تجمعات عمالية لها مطالبها لتحسين أوضاع دهورتها وأضرتها قرارات الدولة والسلطة. في البطحاء اجتمع المعلمون والأساتذة النواب للمطالبة بإنهاء الشغل الهش وجاء عمال الحظائر المطالبين باستكمال إنصافهم من الاستبداد والعبودية الجديدة وتجمع العمال المطرودون من مصانع اختار أصحابها استغلال ثغرات قانون قد على مقاسهم. في ذات البطحاء جاء المعطلون عن العمل واعتصم المطالبون بالتنمية الجهوية والطالبين للشغل باعتبارهم معوزين يعيشون في أعمق نقاط بئر الفقر المدقع. في تلك البطحاء جاء خريجو معاهد التربية وجاء العمال المحتفلون بذكرى تأسيس اتحادهم والمحيون لذكر استشهاد زعيمهم.

لعل القارئ قد انزعج قليلا من إطالتي في وصف البطحاء وروادها والحال ان الأمر مقصود بغاية تعداد حجم الوفود العمالية والشعبية التي تتقاطر على البطحاء مساندة للاتحاد او طالبة الحل والإنجاد. فهذا الكم الهائل يعكس وزن الاتحاد وموقعه ويعكس جوهر ارتباطه بالفئات الاجتماعية الواسعة. ورغم تنوع المطالب التي رفعها المحتشدون في البطحاء فانه بمكن حصرها في ثلاثة نقاط ،وهو  أولا لمطالبة بإيقاف قرار أو سياسة او سلوك   اتخذته السلطة أو الدولة مثل طرد العمال أو التدخل لوقف مسار قرار يعد وستكون له انعكاساته مثل رفع الدعم او ، وثانيا الدعم والمساندة على خطوات وقرارات اتخذها الاتحاد مثل الإضراب او التجمعات العمالية رفضا لسياسة محددة. ولنتيجة لهذه المهام التي تطرحها عليها الفئات الشعبية فانه الاتحاد يصبح بالضرورة فاعلا سياسيا

الفعل النقابي العقلاني القيمي    

والحقيقة ان الفعل السياسي للاتحاد العام التونسي للشغل ليس مدفوعا في كل الأوقات بغايات الانتصار لفئة شعبية بل ان فعله السياسي يرتكز في كثير من الأحيان على المرجعية القيمية التي يتبناها. ويمكن تكثيف المبادئ والقيم في شعار مركزي يرفعه الاتحاد في كل المناسبات عبر خطابه الرسمي وهو "الدولة المدنية الاجتماعية الديمقراطية" وهي تلخص مشروعا وتصورا كاملا قائم على جملة من المبادئ والقيم التي بلورها الاتحاد منذ نشأته الأولى وفي مسار نضاله اليومي عبر تاريخ تونس ما بعد الاستعمارية. واستنادا الى هذه المبادئ والقيم فان الاتحاد يتحرك دفاعا عن تصوره ولذلك نجده منخرطا في الدفاع عن حقوق المرأة وعن حقوق الأقليات وعن حقوق الجالية الإفريقية في تونس وغيرها من القضايا المبدية التي تنبني عليها أسس الدولة المدنية الاجتماعية الديمقراطية. بل ان الاتحاد يبذل في الكثير من الأحيان جهدا مضاعفا في الانتصار الى القضايا المبدئية دون طلب من أصحابها مدفوعا بثوابته وقيمه ويجد نفسه بالتالي فاعلا سياسيا أساسيا بالضرورة وليس بالاختيار. كما يمكن ان يبنى الفعل السياسي للاتحاد على اختلاط كل هذه الدوافع معا اي مقاومة قرار سياسي والانتصار لفئة شعبية محددة والانتصار لقيمه في ان واحد وعلى سبيل  المثال يدعو الاتحاد العام التونسي للشغل إلى تحرير مسالك التوزيع من بارونات التهريب والاقتصاد الموازي ويدافع على القطاع المنظم ويدعو إلى العدالة الجبائية باعتبارها مرتكزا للعدالة الاجتماعية. ولو دققنا لو وجنا ان بعض المطالب لا تخدم فقط مصلحة العمال -محاصرة التهريب مثالا- ولكنها تخدم مختلف الفاعلين الاقتصاديين (عمال منتجين دولة) وهو ما يعكس ان مطالبه وان بدأت للوهلة الأولى خصوصية خاصة بالعمال فإنها تؤثر بالضرورة على بقية الفاعلين وتتحول إلى مطلب سياسي عام.

فعال سياسي وسيظل كذلك

ان هذا المقال بطبيعته الصحفية لا يمكن ان يتسع لتحليل أكثر عمقا حول الدور السياسي  للنقابات عموما وللاتحاد خصوصا باعتباره مدرسة للدربة الثورية  على معنى وتصور الماركسيين وباعتبارها فضاء للوفاق الاجتماعي على معنى وتصور الليبراليين ولكن الثابت في رأيي ان الدور السياسي للاتحاد تمليه طبيعته كقوة اجتماعية شريكة في الانتاج وفي مالت تقسيم ثمار الإنتاج وإعادة توزيعه ومعني بالمشروع السياسي العام الذي سيؤثر على منخرطيه المرتبطين بهم من عائلاتهم ولذلك فان الاتحاد في تقديري فاعل اجتماعي وسياسي وسيبقى فاعلا اجتماعيا وسياسيا تملي طبيعته جوهر فعله.

ابو ابراهيم