إسناد المقاومة على جبهة النضال السياسي وفي إدارة التفاوض، ضرورة سياسية وواجب أخلاقي

الشعب نيوز / خليفة شوشان - ما كان لهذا الإرهابي الدّعيّ ابن الدّعيّ "الناتنياهو" أن يستأسد في خطاب السبت 04 أكتوبر 2025 ويعلن بكلّ وقاحة "نسّقت مع الرئيس ترامب وطاقمه خطوة سياسيّة قلبت الأوضاع، فبدل أن تكون اسرائيل معزولة فإن حماس هي التي ستعزل".
ما كان له ذلك لولا خيانة أعراب الهزيمة ورهط المتأسلمين المتصهينين الذين طعنوا المقاومة في الظهر، وقايضوا شرف دعمها وإسنادها بعار حماية عروشهم وخدمة مصالحهم الوسخة، فمنحوا العدوّ وراعيه الأمريكي صكوك الغفران على جرائمهم ضدّ الشعب الفلسطيني وفرصة لكسر عزلتهم السياسية وعارهم الأخلاقي.
وما كان له ذلك لولا تواطؤ منظومة النفاق الدولي التي عرّى زيفها "طوفان الأقصى العظيم" وهي تنحاز إلى أقذر استعمار استيطاني عنصري صهيوني عرفته البشريّة ضدّ أنبل ظاهرة إنسانيّة في التاريخ المعاصر المقاومة الفلسطينيّة.
سيعود الحقّ إلى أصحابه ولو بعد حين، هذا وعد التاريخ للمقاومين الشرفاء في كلّ العصور ومن كلّ الشعوب، وستنتصر بانتصارهم قيم الإنسانيّة والتحضّر على رذائل التوحّش والاستعمار. المطلوب فقط من أحرار العالم وفي مقدّمتهم القلّة الناجية من عار الانتماء المهين إلى الأمتين العربيّة والإسلاميّة المتفسّختين حضاريا والساقطتين قيميا وإنسانيا والعاجزتين عن نصرة الحقّ الفلسطيني أو في الأدنى التوقّف عن دعم العدوّ ومنحه حبل نجاة يخرجه من حالة العزلة السياسية والانحطاط الأخلاقي.
المطلوب من أحرار العالم وشرفاء الانسانيّة مواصلة إسناد المقاومة بكلّ الأشكال المتاحة على جبهة النضال السياسي وفي إدارة التفاوض لكسب قضيتهم، وهو الجزء الأكثر صعوبة من المعركة، كما ساندوها على جبهة النضال الميداني والعسكري وفي ملحمة البطولة والاشتباك الاسطوري في معارك الأنفاق والخنادق والتفخيخ وخاصة في حرب التضليل وقلب الحقائق، وكما فضحوا جرائم الإبادة والتهجير والتجويع والتخريب، وانتفضوا واحتلوا الشوارع والساحات والميادين رافعين الرايات الفلسطينية، ممتشقين الكوفيّة رمز النضال الفلسطيني هاتفين بالنصر لغزّة والحريّة لفلسطين.
إنّ اسناد موقف المقاومة الفلسطينيّة السياسي الذي نشرته حركة المقاومة الإسلاميّة حماس وهي تناور حسب المتاح في الردّ على خطّة تاجر العقارات المغرور "ترامب" المدعومة بضغط ظاهر وخفي من "الثماني العربيّ الإسلامي" ودعمها في معركة التفاوض لا يقلّ أهمية عن إسناد خياراتها العسكريّة والميدانية منذ إطلاقها تسونامي "طوفان الأقصى" وتحمّلها عبء كل مفاعيله فلسطينيا وإقليميا ودوليا.
هذا الإسناد غير المشروط والثقة المطلقة في تقديرها المستند إلى التشاور مع إخوة السلاح والقضية من الفصائل الفلسطينيّة والمراعي لمعرفتها الدقيقة بالوضع الميداني والعسكري والإنساني في جبهات وخنادق القتال وفي الداخل الغزّاوي خاصة والفلسطيني والعربي والإسلامي والدولي عموما.
هذا الإسناد ليس ترفا فكريا ندّعيه أو خيارا سياسيا نمتلكه نحن المنحازون للحقّ الفلسطيني المسكونون بحلُم التحرير، بل هو ضرورة سياسية مبدئية وواجب قيمي وأخلاقي وطني وقومي وإنساني من أجل مواصلة الاشتباك مع العدوّ واستنزافه قيميا ومحاصرته وعزله على كلّ الجبهات السياسية والعسكرية والديبلوماسيّة والشعبيّة عربيا وإقليميا ودوليا، لضمان تأمين جملة المكتسبات والانتصارات النّوعيّة والرّمزية والاختراقات الثقافيّة والفكريّة التي راكمها الطوفان، والوفاء لدماء القادة المقاومين والشّهداء ولصبر الغزاويين وتضحياتهم ولحلم أجيال من الفلسطينيين على امتداد أكثر من سبعة عقود من الصّمود في وجه آلة التوحش الصهيونيّة.
وباعتبار هذا التقدير المقاوم هو الرّدّ الضروري والممكن في ظلّ موازين القوى الحاليّة وبناء على حجم "الخديعة" والمخاتلة التي تضمّنتها "خطّة ترامب"، فهو يمثّل خلاصة تجربة حركة التحرر الوطني الفلسطينيّة وما انتهى إليه التشاور بين المرابطين في الخنادق وجبهات الاسناد، المؤمنين بحتمية التّحرّر والتّحرير وبأن الاحتلال ليس قدرا لا فكاك منه كما يدعي ويروّج المهزومون.
فمن قيّم وقدّر وقرّر هم الأحرص منّا جميعا على اتخاذ الموقف الأنسب مهما صدقت نوايانا وألحّت محاذيرنا واشتدّت مخاوفنا.
تقييم وتقدير تجاوز اجتهادات حركة المقاومة الإسلاميّة حماس ليشمل جميع فصائل المقاومة التي وحّدها الدّم والخنادق والميدان والآلام والآمال والأحلام، والتي طالما كان عماد بوصلة نضالها مهما تعددت الوسائل والتجارب والتنظيمات تقديم المسؤولية الوطنيّة واحترام إرث النضال الوطني الفلسطيني الجامع المعمّد بدماء الشهداء والمؤمن بوصاياهم والأمين لها.
وهو ما أكدته في بيانها المشترك معلنة "أن الردّ الذي قدمته حركة حماس على المقترح الأمريكي هو نتاج موقف وطني مسؤول والذي جاء بعد مشاورات معمّقة مع فصائل المقاومة الفلسطينية للوصول إلى اتفاق يتوافق مع مصلحة شعبنا ويضمن إنهاء معاناته ووقف حرب الإبادة المتواصلة بحقه"، قاطعة بذلك الطريق على كلّ المزايدين والصائدين في مياه الخلافات الفلسطينيّة.
المطلوب منّا جميعا فهم المعادلة وحلّ شيفرات الموقف المقاوم بكل إكراهاته ومواصلة تضييق الخناق على الكيان كل حسب قدرته ومن كل قدر طاقته وبكل الأشكال المتاحة، خاصة أن كلّ سردياته سقطت وبات محتقرا منبوذا. وأن يكون الهدف مضاعفة عزلته شعبيا والدفع نحو عزلته رسميا من الأنظمة وفي مقدمتها العربية والإسلاميّة المطبّعة.
المطلوب أيضا الصمود والوقوف ضدّ ماكينات البروباغندا الإعلامية الرخيصة وخاصة العربيّة منها التي تزيّف الوقائع والعقول وتشوّه الوعي وتدفع الجميع نحو الإقرار بالهزيمة. وذلك بالتحصّن بالوعي المقاوم لحماية "الانتصار الاستراتيجي" الذي حقّقه طوفان الأقصى وتعزيزه، فهو وحده من نفض الغبار عن المأساة الفلسطينية التي أُريدَ لها أن تُنسى كما لم تكن وجعلها تسكن ضمائر كل أحرار الإنسانيّة.
وهو الذي أعاد الحقّ الفلسطيني إلى صدارة الفرز الفكري والسياسي والقيمي والأخلاقي الإنساني في العالم دولا وشعوبا وأحزابا ومنظمات.
وهو الذي حوّل الانتصار لهذا الحق مقياسا أصيلا للتفريق بين التقدميّة والرجعيّة، وبين التحضّر والتوحّش.
العالم يتغيّر ويتبدّل وموازين القوى التي تحكمه اليوم تسير إلى غير صالح قوى الهيمنة والاستعمار والصهيونيّة، وهي لحظة مفصلية يجب التوقف عندها وتدبرها.


