آراء حرة

العظمة لم تكن يوماً وجبة على المائدة

 العظمة لم تكن يوماً وجبة على المائدة

بقلم الياس بلاغة *

في بلادنا، توجد طبقة غريبة من التابعين الصغار للكلام، يظنون أنفسهم حُرّاسًا بينما هم في الواقع مجرد خدم لنظام في حالة انحدار وتفكك. يصرخون، يرقّصون، ويحاولون محو كل صوت مخالف، ليس بالقوة، بل بالعادة والتكرار. ليس لأنهم يدافعون عن فكرة حقيقية، بل لأنهم يخشون مواجهتها.

يمكن تمييزهم من خلال غطرستهم الفارغة، ومن كلماتهم المستعارة من بقايا ثورة لم يشاركوا فيها. يعتقدون أنفسهم قضاةً وعادلين، بينما هم يعيشون على التنازلات.

يحلمون بأن يكونوا رقباء الدولة، لكنهم في الحقيقة مجرد طباخي مطبخ ثقافي، يقدمون ما يؤمرون به، في الوقت الذي يُفرض عليهم، وبالصلصة اليومية الجاهزة.

ليس لديهم عمود فقري، بل قائمة طعام. لا يملكون مثاليات، بل أجندة تخدم مصالحهم. وقبل كل شيء، لا يملكون شجاعة، فقط لوحة مفاتيح وحقد دفين. ينصبون أنفسهم حكاماً دون أن يرتدوا رداء الجهد الحقيقي والمواجهة.

يطالبون بالرقابة كحق مكتسب، وهم لم يربحوا معركة فكرية واحدة. سلطتهم ترتكز على زرع الخوف في نفوس الضعفاء، لا على احترام الأقوياء.

لكن عليهم أن يعلموا أن أيامهم معدودة.

صخب شتائمهم الفارغ لن يهز أبداً أسس الفكر الحر. أولئك الذين يبنون ويبدعون ويقاومون يعرفون أن العظمة لا علاقة لها بصغر النفوس.

في تفاهتهم تكمن شكل من الجمال المؤلم: يريدون أن يكونوا، ولكنهم لا يستطيعون. مكانهم الحقيقي هو الأدوار الثانوية في مسرحية لم يكتبوا لها سيناريو أبداً.

فليرفعوا قوائمهم، ويرتبوا أسلحتهم الزائفة، ويتركوا المسرح للحقيقيين. لأن الكرامة لا تُساوم على طاولة الصغار، والقوة الحقيقية لا تخضع للرقابة أبداً.

عظمتنا تكمن في تجاهلهم.

نتجاهلهم، نحتقرهم بلا نظرة، نزيحهم بيدٍ خفيفة كما يُطرد ذباب الخريف الرخيص عن طريق الثوار المحررين.

هم لا يستحقون غضبنا ولا خوفنا، بل فقط لامبالاة سيادية. فالممثلون الحقيقيون يمضون قدماً، أحراراً، واقفين، بعيداً عن ألعابهم الصغيرة ورقاباتهم الضيقة.

وعلى هذا الطريق تُبنى الحرية، بعيداً عن ظلال من لم يعرفوا يوماً كيف يكونوا.

* إلياس بلاغة

مهندس معماري