ثقافي

اربعينية الراحل أنور الشعافي : كرسيه المتحرك ينبض بالفن والمقاومة طيلة عقود من الفعل

الشعب نيوز / ناجح مبارك - خيّم صمت مهيب على قاعة الفن الرابع بالعاصمة، مساء الخميس الفارط، مع بدء توافد الجمهور لإحياء أربعينية المخرج والناقد المسرحي الراحل أنور الشعافي.

في زاوية مألوفة من القاعة، كان الكرسي المتحرّك الذي لطالما رافقه حاضرا ساكنا كأنه ينتظر بداية العرض أو يراقب الركح بعينيه اللتين لم يخفت بريقهما رغم الغياب.

* فنان مقاوم

كان هذا الكرسي رمزا صامتا لمسيرة فنان قاوم الألم بالعطاء وواجه الصعاب بشغف لا يخبو.

مشهد الكرسي أثار في الحضور مشاعر من الحنين والحزن، وقد بدا أن الشعافي لا يزال هناك في كل زاوية من فضاء المسرح وفي كل تفصيلة من تفاصيل الخشبة التي أحبّها وأحبّته.

بهذا الرمز البليغ، كرّم المسرح الوطني التونسي روح أنور الشعافي، الذي رحل يوم 30 أفريل 2025 عن عمر ناهز 60 عاما، مخلفا إرثا فنّيا وفكريا من أكثر من عشرين عملا مسرحيًا ونصوص لا تزال تُثرِي المشهد المسرحي التونسي والعربي.

أقيمت أربعينية الفقيد بحضور عائلته الكريمة وحشد كبير من الفنانين والمثقفين والإعلاميين، وتضمّن البرنامج فقرات فنية وشهادات حيّة تخلّد ذكراه وتستحضر مآثره الإبداعية والإنسانية.

* محطات في المسار 

في كلمة مؤثرة، استعرض معز المرابط المدير العام للمسرح الوطني أبرز محطات الشعافي، مشيرا إلى شغفه بالمسرح التجريبي ونزعته إلى التجديد والمغامرة الفكرية.

وقال إن الراحل تجاوز المألوف ليقدّم رؤى مسرحية عميقة وملتزمة مزج فيها بين الجماليات المسرحية والبعد المعرفي، فكان يؤمن بمسرح يدهش المتفرج ويحفّزه على التفكير.

وتحدث المرابط عن اهتمام الشعافي بأدق تفاصيل العرض المسرحي من الإضاءة والصورة إلى توظيف التقنيات الحديثة في خدمة الدراما.

وأضاف: "لم يفصل الشعافي بين أفكاره والحياة، فقد جعل من المسرح نهجا وجوديا يسمو بالفن فوق الألم والوجع... سيظل حيًا في ذاكرة المسرحيين وخالدا في وجدان المسرح التونسي".

* اعمال مرجعية

من جانبها، عبّرت نصاف بن حفصية، مديرة إدارة الفنون الركحية بوزارة الشؤون الثقافية، عن ألمها لفقدان من اعتبرته أستاذا وصديقًا، مشيرة إلى أن أعمال الشعافي ستبقى مرجعًا فكريًا ومصدر إلهام للأجيال القادمة من المسرحيين.

واستعادت ذكرى أول تجربة جمعتها به في مسرحية "عود رمان" سنة 1993، حين كانت طالبة بالمعهد العالي للفن المسرحي.

أما جمال شندول، مدير مركز الفنون الدرامية والركحية بمدنين، فقد تناول في كلمته إسهامات الراحل في بعث الحركة المسرحية بالجهة، من تأسيسه لجمعية مسرح التجريب سنة 1989 إلى إطلاقه المهرجان الوطني لمسرح التجريب سنة 1992، مؤكداً أن الشعافي أحدث نقلة نوعية جعلت من مدنين فضاء نابضا بالفن والإبداع.

* كابوس انشتاين

واشتمل برنامج التظاهرة على تقديم مقتطفات معاد تجسيدها من ثلاثة أعمال مسرحية خالدة لأنور الشعافي، وهي: "أو لا تكون" بأداء نادية تليش، "بعد حين" من تمثيل سماح الدشراوي وخالد بوزيد، و"كابوس انشتاين" أداه كل من كمال زهيو وياسين الفطناسي.

كما تم بث مجموعة من الفيديوهات التوثيقية التي عرضت أبرز محطات مسيرته المسرحية، في تداخلٍ فنيّ جمع الموسيقى والشعر والصورة.

افتتحت التظاهرة بصوت الفنانة الشابة إشراق مطر التي ألقت قصيدة "سجل حضورك" للشاعر المولدي الرحيلي، في إشارة رمزية لحضور الراحل رغم الغياب.

* كلمات "صمادح"

في مشهد ختاميّ مؤثر، تم وضع كرسيه المتحرّك وسط القاعة ثم على ركح المسرح، تُتوّجُهُ باقة من الزهور، ليظل هذا الرمز شاهدا على حياةٍ كرّسها صاحبها للفن والإنسان.

واختتمت الأمسية بأغنية "كلمات"، كلمات منور صمادح، ألحان حمادي العجيمي، وأداء إشراق مطر، لتكون مسك ختامٍ يليق بفنان آمن بالكلمة وبالركح، ورحل وقد ترك وراءه أثرا لا يُمحى.