ملاحظات الاتحاد العام التونسي للشغل بخصوص مشروع قانون تنظيم عقود الشغل و منع المناولة

الشعب نيوز / تونس - عقد المكتب التنفيذي الوطني للاتحاد العام التونسي للشغل، جلستي عمل يومي الجمعة 11 والسبت 19 أفريل 2025، خصصتا للتشاور مع خبراء المنظمة حول مشروع القانون المتعلّق بتنظيم عقود الشغل ومنع المناولة والذي تقدّمت به الحكومة في إطار مراجعة مجلّة الشغل بصفة أحادية ويتمّ التداول بشأنه على مستوى مجلس النواب.
تناول الاجتماع مشروع القانون المذكور بالإشارة إلى الإطار العام الذي تتنزّل فيه هذه المراجعة التي تمّ تقديمها في شكل ثورة تشريعية من شأنها تغيير التشريع الاجتماعي لمجلّة الشغل بصفة هيكلية وشاملة بما يكفل شروط العمل اللائق وملاءمة أحكام المجلّة مع المعايير الدولية والمبادئ الدستورية بالقضاء على الهشاشة وتأمين الاستقرار المهني ومنع المناولة إلى حد تجريمها.
وحيث يتبيّن أنّ مشروع القانون يهمّ أساسا تنقيح الباب الأوّل الخاصّ بعقود الشغل حيث تمّ إلغاء أحكام الفصول 6-2 و 6-3 و 6-4 و 17 والفقرة الأولى من الفصل 94 -2 من مجلّة الشغل وتعويضها بالفصول 6-2 (جديد) و 6-3 (جديد) و6-4 (جديد) و17 (جديد) و 94-2 الفقرة الأولى (جديد) إضافة إلى إلغاء أحكام الفصل 23 من القانون عدد 81 لسنة 1992 المؤرخ في 03 أوت 1992 المتعلّق بالمناطق الاقتصادية الحرّة.
الملاحظة الأولى:
تمّ إعداد هذا المشروع دون استشارة الطرف الاجتماعي الأكثر تمثيلا للعمّال ودون الاستشارة المسبقة للمجلس الوطني للحوار الاجتماعي طبقا لما يقتضيه الفصل الثالث من القانون عدد 54 لسنة 2017 المؤرخ في 24 جويلية 2017 المتعلّق بإحداث المجلس الوطني للحوار الاجتماعي وضبط مشمولاته وكيفية تسييره والذي ينصّ على أنّه:
"إستشار المجلس الوطني للحوار الاجتماعي وجوبا في مشاريع القوانين ومشاريع الأوامر الحكومية ذات العلاقة بالشغل والعلاقات المهنية والتكوين المهني والحماية الاجتماعية.
يرفق رأي المجلس وجويا بمشاريع القوانين المعروضة على مجلس نواب الشعب."
كما يتعارض منهج الإنفراد بإعداد مشاريع القوانين الاجتماعية الذي تصرّ عليه الحكومة مع التزاماتها بمقتضى مصادقتها على اتفاقيات العمل الدولية التي تلزمها بالتشاور مع المنظمات المهنية الأكثر تمثيلا للعمّال ولأصحاب العمل في إعداد النصوص التشريعية في المادّة الاجتماعية.
الملاحظة الثانية:
على خلاف الأهداف المعلنة في شرح الأسباب المقدّم من الحكومة رفقة المشروع فإنّ مشروع التنقيح المعروض يمثّل، على أهميته، معالجة جزئية ومحدودة لظاهرة التشغيل الهش بما لا يمكّن من ضمان تحقيق العمل اللائق وتكريس العدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية وهي الأهداف التي لا يمكن ضمانها غلّا من خلال مراجعة شاملة للتشريعات الشغلية تتناول جميع مراحل المسار المهني وتمسّ مجلة الشغل و الاتفاقية المشتركة الإطارية والاتفاقيات المشتركة القطاعية و سائر النصوص ذات العلاقة بالشغل والعلاقات المهنية والتشغيل والتكوين المهني والحماية الاجتماعية.
ملاحظات بخصوص مضمون المشروع
الفصل 6-2 جديد: هذا الفصل يرجع الأمور إلى نصابها ويلغي الانحراف الذي أدخله المشرّع في 15 جويلية 1996 على العلاقات المهنية حين سوّى من حيث المبدأ بين العقد غير محدود المدّة والعقد محدود المدّة. وبذلك يعود عقد العمل القارّ هو الأصل والمبدأ في العلاقات الشغلية، على غرار ما هو مقرّر في أغلب التشريعات المقارنة.
الفصل6-3 جديد: هذا الفصل يجيز إمكانية الاتفاق في عقد العمل على فترة تجربة وهو ما يعني أنّ فترة التجربة ليست آلية و إنّما لا تكون إلاّ بالاتفاق عليها في عقد العمل وبالتالي في كلّ عقد لم يتضمّن بصورة مثبتة أنّه تمّ الاتفاق ضمنه على فترة تجربة يعتبر العامل آليا مرسّما منذ يوم انتدابه.
والفصل الجديد يجيز فترة التجربة في عقود الشغل دون تحديد من حيث نوعها لذلك نرى التنصيص صراحة على منع فترة التجربة في عقود الشغل محدّدة المدّة لكونها عقود بطبعها استثنائية ومحدودة في الزمن.
أمّا بخصوص فترة التجربة فقد تمّ الإبقاء على مدّتها المقرّرة في الاتفاقيات المشتركة بالنسبة للأعوان من صنف التنفيذ والتقليص منها من 9 أشهر بالنسبة لأعوان التسيير إلى 6 اشهر وبالنسبة للإطارات من سنة إلى 6 أشهر، ونرى أنّه من المتّجه الإبقاء على هذه الفترة 6 أشهر لأعوان التسيير والإطارات والتقليص منها إلى 3 أشهر فقط لأعوان التنفيذ مراعاة لطبيعة المهام الموكلة إليهم والتي لا تتطلّب مدّة قد تصل إلى سنة كاملة للتأكّد من أهليتهم لإنجازها على الوجه المطلوب على غرار الأعوان المكلفين بالتسيير والتأطير.
الفصل 6-4 جديد: هذا الفصل منع إبرام عقد الشغل محدود المدّة إلاّ في حالات استثنائية محدّدة حصرها في ثلاث حالات.
- مقارنة بالنص السابق ألغى الفصل الجديد حالتين كان يجوز فيهما إبرام عقد الشغل لمدّة محدودة وهما حالة القيام بالأشغال الأولى لتركيز المؤسّسة أو بأشغال جديدة وحالة القيام بأشغال متأكّدة لتفادي حوادث محقّقة أو لتنظيم عمليات إنقاذ أو لتصليح خلل بمعدّات أو تجهيزات أو بناءات المؤسسة. وهذا الإلغاء قد يُفسَّر، طبقا لقواعد تأويل القانون، بأنّ إرادة المشرّع تذهب إلى منع إبرام عقد الشغل محدود المدّة فيهما وذلك رغم التفسير المقدّم من أنّ الحالتين المعنيتين مشمولتان بالحالة الثالثة التي تتعلّق بأنشطة أخرى لا يمكن حسب العرف او بحكم طبيعتها اللجوء فيه إلى عقود لمدّة غير معينة، لذلك نرى الإبقاء عليهما منعا لكلّ التباس.
- في حالة الاستثناء الأولى المتعلّقة بزيادة غير عادية في حجم الخدمات أو الأشغال، تمّ تعويض عبارة "حجم العمل" بعبارة "حجم الخدمات أو الأشغال" والفرق بين العبارتين واضح ودقيق. فالعمل يكون ضمن النشاط الأساسي والرئيسي للمؤسّسات الصناعية والتجارية والفلاحية والتي قد تحتاج عرَضا إلى بعض الخدمات أو الأشغال غير الداخلة في نشاطها الأساسي، فهل يجوز لها اللّجوء إلى عقود الشغل محدودة المدّة لتلبية تلك الحاجة أم عليها الالتجاء إلى مؤسّسات إسداء الخدمات والأشغال؟
- حالة تعويض عامل متغيب أو توقّف تنفيذ عقد شغله تحتاج إلى التدقيق.
ذلك أنّ الأجير في حالة إضراب قانوني يتوقّف عقد عمله ومعايير العمل الدولية تمنع تعويض الأجير المضرب لأنّ في ذلك مساس خطير بحقّ الإضراب وهو حق دستوري مضمون وعليه نرى وجوب التنصيص على عبارة إضافية هي: في غير حالة الإضراب.
كما أنّ الأجير المريض قد يتوقّف عقد عمله لفترة طويلة في حالة رخصة المرض طويل الأمد فهل من المعقول أن يبقى الأجير المعوّض لفترة طويلة في حالة هشاشة ناتجة عن انتدابه بعقد محدود المدّة؟
- حالة القيام بأعمال موسمية تتطلّب توضيحا لتحديد الموسم الذي يختلف من نشاط لآخر وهو قد يكون معلوما في بعض الأنشطة مثل المواسم الفلاحية لكنّه في أنشطة أخرى يطول أو يقصر بحسب معطيات بعضها موضوعي وبعضها يتعلّق بمؤسّسات دون أخرى مثل الأنشطة السياحية أو التظاهرات والمعارض التي قد تتواصل على أغلب أوقات السنة.
- للانسجام مع منطق كون الحالات الاستثنائية التي يجوز فيها الالتجاء إلى عقد الشغل محدّد المدّة هي بطبعها مؤقّتة في الزمن وحيث كون النص الجديد لم يجعل للعقد في هذه الحالات مدّة قصوى، على غرار ما ذهبت إليه تشاريع مقارنة، فإنّنا نرى ضرورة التنصيص على مدّة قصوى للعقد، قد تُمدَّد لمدّة أقصر، فإنْ تواصل تشغيل الأجير بعدها فإنّ ذلك ينهض قرينة على أنّ موطن العمل غير مؤقّت فيجب حينها أن يكون شغله على سبيل عقد الشغل غير محدود المدّة وذلك منعا لإمكانية التحايل على مقاصد النص كما كان معمولا به في ظلّ النصّ السابق حيث كان يتمّ الانتداب بعقد شغل قارّ لتلبية زيادة مزعومة في حجم الإنتاج أو لأعمال موسمية أو على أساس أنّها أعمال بحكم طبيعتها لا تتطلب عقد عمل قارّ ثمّ يتمّ تأبيد ذلك الوضع المؤقت إلى مالا نهاية له ويبقى الأجير في وضع هشاشة دائمة.
- شرط الكتابة في العقد محدود المدة في ذاته أمر جيّد ومطلوب لكن لكي تتحقّق الغاية من الكتابة نرى أن يتمّ إعداد نموذج لعقد شغل محدود المدّة يتضمّن كافة التنصيصات الواضحة والدقيقة التي تحفظ حقوق العامل وواجباته بما يسدّ الباب أمام إمكانية التحايل على النصّ وعلى حقّ العامل وبما ينقص إلى حدّ كبير من النزاعات الشغلية التي ترهق القضاء والمتقاضين.
- شرط التنصيص على المدّة قد لا يتلاءم مع طبيعة بعض الأعمال والأنشطة أو المواسم ونرى أنّه من الاجدى ان يتمّ التنصيص على مدّة قصوى بما في ذلك تجديد العقد.
- الفصل 17 جديد: ينصّ على إنّه إذا واصل الأجير تقديم خدماته بعد انقضاء مدّة العقد محدود المدّة يتحوّل إلى عقد غير محدود المدّة على إنّ عبارة مواصلة تقديم الخدمات كشرط لتحوّل العقد من محدود إلى غير محدود المدّة تفتح الباب أمام التحايل على مقصد النص حيث يكفي أن يوقف المؤجّر العامل عن تقديم خدماته بمجرّد انتهاء المدّة ثمّ بعد فترة يعيد تشغيله بعقد محدود المدّة مجدّدا ويتهرّب من تحويل العقد المؤقّت إلى عقد قارّ لتخلّف شرط مواصلة النشاط بعد نهاية المدّة المحدّدة.
- لتحقيق غاية المشرّع من حصر اللجوء لعقود الشغل محدودة المدّة في حالات استثنائية ظرفية وإغلاق الباب أمام إمكانية التحايل على النصّ نقترح التنصيص على الحكم التالي: إذا تتالى استخدام المؤجّر للأجير بموجب عقود شغل محدودة المدّة في حالة الزيادة غير العادية في العمل أو في حالة الأعمال الموسمية لمدد تتجاوز في مجموعها 15 شهر خلال سنتين يتحوّل الاستخدام إلى عقد شغل غير محدّد المدّة مع احتساب تلك المدد في أقدمية الأجير.
الفصل 28 جديد و الفصل 29 جديد: منع و تجريم مناولة اليد العاملة
يمثّل منع وتجريم مناولة اليد العاملة مطلبا تقليديا ما انفك الاتحاد العام التونسي للشغل يطالب به منذ عقود باعتبار تحوّل الظاهرة إلى شكل من أشكال الاستعباد والاتجار بالبشر. وقد بادر الاتحاد منذ الأيّام الأولى للثورة إلى الضغط من أجل إنهاء التشغيل عن طريق المناولة في الوظيفة العمومية و القطاع العام وهو ما تحقّق من خلال القرار الصادر عن الحكومة المؤقّتة يوم 18 فيفري 2011 والمتعلّق بإنهاء المناولة في القطاع العام والذي يلغي العمل بالمنشور عدد 35 المؤرخ في 30 جويلية 1999 المتعلّق بالمناولة في الإدارة والمنشآت العمومية والذي تكرّس عمليا من خلال إبرام اتفاق 22 أفريل 2011 بين الحكومة والاتحاد العام التونسي للشغل، تمّ بموجبه تسوية وضعية عشرات آلاف العمال والتحجير على الإدارات العمومية إبرام أو تجديد عقود المناولة بداية من تاريخ الإمضاء مع الإلغاء الفوري لكلّ العقود التي حلّ أجلها أو العقود الجارية المخالفة له.
الفصل 30 جديد: مؤسّسات إسداء الخدمات أو الأشغال
- تعريف إسداء الخدمات أو الأشغال في الفصل ليس دقيقا ممّا قد يؤدّي في التطبيق إلى عديد الإشكاليات وربما يفتح ثغرات من أجل التحايل على روح النص.
- عبارات المعارف المهنية والتخصّص الفنّي تحتاج الضبط والتدقيق خاصّة في علاقة بالنشاط الأساسي للمؤسّسة المستفيدة حتّى لا يتمّ تقنين المناولة القائمة حاليا تحت غطاء تلك العبارات.
- صياغة الفصل الذي يقرن بين الأساسي والدائم تجيز الالتجاء لمؤسّسات إسداء الخدمات في الأنشطة الأساسية ما لم تكن دائمة وفي الأنشطة التي لا تتعلّق بالنشاط الأساسي للمؤسّسة ولو كانت دائمة بحيث يجوز حسب النصّ الالتجاء إلى مؤسّسات الخدمات والأشغال في مواطن عمل قارّة بالمؤسّسة وهو ما يتنافى مع غاية التنقيح التي تكرّس مبدأ عقد العمل القارّ في موطن العمل القارّ وهو ما من شأنه إبقاء عمّال أنشطة دائمة مثل التنظيف والحراسة خاضعين لمؤسّسات إسداء الخدمات رغم كونهم يشغلون مواطن عمل قارّة في المؤسّسة المستفيدة.
نرى أنّ تجنّب الإشكال يقتضي تغيير صياغة الفصل لتصبح على النحو التالي: "...على أن لا تتعلّق هذه الخدمات أو الأشغال بالنشاط الأساسي أو بمواطن العمل الدائمة بالمؤسسة..."
الفصل 30 ثالثا: يجب توضيح المقصود بعبارة نظام تأجير خاصّ بالمؤسّسة والذي يجب أن ينحصر في اتفاقية مؤسّسة أو عند غيابها نظام تأجير مصادق عليه من تفقّدية الشغل المختصّة وذلك لضمان تطابقه مع مقتضيات القانون.
الاحكام المختلفة
الفصل 5: إلغاء أحكام الفصل 23 من القانون عدد 81 لسنة 1992 المؤرخ في 03 أوت 1992 المتعلق بالمناطق الاقتصادية الحرّة والذي كان يمنع إبرام عقود شغل غير محدودة المدّة في أنشطة تلك المناطق ويعتبر كلّ العقود محدودة المّدة ولو تمّ الاتفاق على خلاف ذلك وهو الفصل الذي طالما طالب الاتحاد بإلغائه لتعارضه مع القوانين الوطنية ومع معايير العمل الدولية.
الأحكام الانتقالية
الفصل 7: من الضروري توضيح وتدقيق الحكم الوارد في الفصل على النحو التالي: "تُعتمد فترة التجربة المنصوص عليها بعقود الشغل غير محدّدة المدّة المبرمة قبل دخول هذا القانون حيز النفاذ و يُعتبَر مرسّما كلّ أجير أكمل سنة كاملة من العمل بعنوان فترة تجربة في تاريخ نفاذ القانون."
الفصل 9: اعتبار عقود الشغل معيّنة المدّة التي تمّ إنهاؤها بعد 6 مارس 2024 وإلى غاية دخول القانون حيز النفاذ موجبة للترسيم إذا تجاوزت العلاقة الشغلية أربع سنوات يستفيد منها الأجراء بعقود محدودة المدّة طبق الفصل 6-4-1 قديم والذي لم يكن يؤدّي إلى ترسيم الأجير ولو تتالت عقوده لأكثر من أربع سنوات.
غرامة المماطلة في ترسيم الأجراء المعنيين بحكم الفصل لا معنى لحدّها الأدنى الذي لا يقلّ عن أجرة أربعة أشهر طالما أنّ الحقّ في الترسيم لا يهمّ إلاّ من تجاوزت مدّة عملهم أربع سنوات وعليه تكون الغرامة 8 أشهر في حدّها الأدنى.
المكتب التنفيذي
الأمين العام / نورالدين الطبّوبي