وثائقي

الهادي الغضباني يكتب عن وجوه ومواقف نقابية في الذاكرة (23): يونس " زلسة " ومقاطعة البضائع الامريكية

"زلسة" هو النطق العامي التونسي للفظة جلسة والمقصود غالبا جلسات المحاكم وغيرها من الجلسات الرسمية التي تنطوي على شيء من الاخذ والرد والحساب والمحاسبة. لفظة "زلسة" صاحبها في الاتحاد والذي اشتهر حتى اصبح يكنى بها هو المرحوم الراحل يونس الشهيدي الكاتب العام سابقا للجامعة العامة للمعاش والسياحة.

وهو نقابي من الزمن الغابر، زمن متقلب، زمن جميل لا محالة ولكنه صعب لانه تحمل التاسيس والولادات الصعبة. يكفي ان اقول للشباب منكم وان اذكّر من هم في سني او اكبر ان يونس الشهيدي علامة مسجلة في تاريخ الاتحاد من اوائل الستينات الى أواسط الالفينات. 

 

التصق اسمه بثلاثة أولا الزعيم الحبيب عاشور ثانيا جامعة المعاش والسياحة ومن ضمن مناضليها الراحل سعيد قاقي الذي توفي متاثرا بالتعذيب الذي تعرض له في مصالح امن الدولة اثر احداث 26 جانفي 1978. أما ثالثا فقد التصق اسمه بشيء او عمل مضن يقوم به النقابيون وهو التفاوض. كان رحمه الله لا يقول انه ذاهب للتفاوض او للمفاوضات.

كلمته الاولى والاخيرة: كنت في" زلسة" جئت من "زلسة" عملنا "زلسة" باهية" لم نتفق وفسدت "الزلسة". كيف لا وهو الذي كان مع زملائه يفاوض ارباب المخابز والحلويات والمطاحن والمتاجر تفصيل ونصف الجملة وجملة والسياحة والصناعات الغذائية بما فيها من مشروبات (قازوز وما شابه) ومصبرات وبسكويت وحليب ومشتقاته.

تصوروا ان جامعته وكما هي الان تشارك في المفاوضات الجماعية ممثلة لاربعة عشر قطاعا دفعة واحدة. وكنا في قيادة الاتحاد نعتبر ان المفاوضات متجهة الى النجاح اذاما اتم عم يونس زلسة عمله في الغرض بسرعة، وكان بالفعل سريعا في الوصول الى النتائج التي يخطط لها.

* صورتان تجمعان الراحلين يونس الشهيدي والزعيم الحبيب عاشور في بعض من الانشطة الخاصة بجامعة المعاش والسياحة

ذكرتني اجواء الحرب الظالمة على غزة الابية هذه الايام من سنة 2023 بالاخ عم يونس وخاصة حملات المساندة للشعب الفلسطيني ومقاطعة البضائع الداعمة مصانعها للكيان الص. ـهي. و. ني بحملات واسعة مماثلة نظمها الاتحاد مساندة للعراق في مطلع التسعينات بقرار من الهيئة الادارية الوطنية وكان عم يونس من اعضائها.

وكان ان تزامنت احدى الحملات مع جولة من المفاوضات الجماعية. وصادف ان ذهب عم يونس الى "زلسة " مفاوضات جماعية مع شركة كوكا كولا. وقد أدرجت هذه الشركة ضمن المؤسسات التي دعا الاتحاد الى مقاطعتها. وظلت جريدة الشعب طوال شهرين او اكثر تنشر قائمة هذه المؤسسات ومن بينها كوكا كولا. ويحسب هنا للاتحاد العام التونسي للشغل انه اتخذ قرارا صارما في مؤتمر الكرم 1993 بتجريم التطبيع وبمنع اي اتصال او تعاون من اي نوع كان مع اي طرف نقابي اسرائيلي، وذلك في رد على قرار السلطة الحاكمة بفتح مكتب اتصال اسرائيلي في تونس.

فلما جلس الاخ يونس الشهيدي ورفاقه الى اصحاب الشركة طالبين منهم التفاوض وزيادة الاجور وتحسين اوضاع العمال، قال لهم الاعراف "ثبتوا رواحكم، ياخي انتم مقاطعين الشركة ومنتجاتها والان طالبين التفاوض معها." وطرحوا امامهم نسخة من الجريدة.

انفضّت الجلسة دون اي تقدم ومباشرة من هناك، تحول الاخ يونس الشهيدي الى مقر الجريدة، يرغي ويزبد، محتجا على ادراج قائمة المقاطعة التي تسببت في حرمان نحو 10 الاف عامل، مباشر وغير مباشر، من حقهم في الزيادة وتحسين الاوضاع. ورغم اجتهاد الاخوة في جريدة الشعب بتوضيح الامروبانه مستند الى قرار اتخذته الهيئة الادارية ومن ضمن اعضائها الاخ يونس الشهيدي نفسه، فانه لم يقبل باي عذر مرددا ومكررا "ان الخدامة حرموا من الزيادات".

وبالطبع، رفع الموضوع الى المكتب التنفيذي الوطني فالهيئة الادارية التي اضطرت الى الموافقة على قرار بالغاء نشر قرار المقاطعة والمؤسسات المعنية به لان قائمة الاعراف الذي تذرعوا بنفس الذريعة كانوا كثيرين وعمالهم اكثرهم والذين شرحوا بعد ذلك ان الشركات المرمية بالمقاطعة، رغم انها ماركات عالمية، رساميلها تونسية واداراتها وعمالها تونسيين.

طبعا مازال الحوار مستمرا حول الموضوع وسيظل اذ اننا بين امرين احلاهما مر.

رحم الله الاخ يونس الشهيدي، ذلك الرجل الشهم، المتواضع، المخلص للاتحاد وللعمال، صاحب البديهة والنكتة الحاضرة في كل ان وحين.

* صورة لتحرك عمال احدى الشركات الذين كانوا منضويين تحت لواء جامعة المعاش والسياحة وعلى راسها في ذلك الوقت المرحوم يونس الشهيدي