آراء حرة

فلسطين والغرب وديمقراطية راس المال

الشعب نيوز/ أبو ابراهيم -  عندما اندلعت الحرب ضد المقاومة وقامت الالة العسكرية الصهيونية بطحن الالاف من الفلسطينيين بغارات تقول عنها انها مقدمات لحرب أوسع، سارعت الولايات المتحدة الامريكية الى اعلان الدعم غير المشروط للكيان الصهيوني. ولتثبت انها جادة، حركت حاملة طائرات نحو المنطقة.

بعد هذا الموقف لم يتردد الغرب كثيرا ليعلن انحيازه الكامل للكيان الغاصب بان أسقط كل المحاولات الدولية لوقف العدوان لغايات إنسانية. وبرز الطابع الوحشي للحكومات.

++++++++++

جميعنا يذكر جيدا الطوفان الشعبي العارم الذي جاب العالم عندما احتلت أمريكا وتحالفها العراق. في سنة 2003 شهدت أكثر من 800 مدينة عبر العالم خروج عشرات الملايين للتعبير عن غضبهم من الحرب وادانتهم لها خاصة بعد اكتشاف اكذوبة أسلحة الدمار الشامل. وقد سجل كتاب غينيس للأرقام القياسية ان المظاهرات المنددة بالحرب مثلت أكبر احتجاج في التاريخ.

صحيح ان التظاهرات لم تنه الحرب ولكنها كبحت جماح الالة العسكرية وأعلنت ان الضمير الإنساني مازال حيا. لقد كان من المهم جدا وجود موقف شعبي غربي مناقض لسياسات الحكومات الرسمية. وساهم الموقف الشعبي الرافض للحرب في تغيير السياسات والقادة.

وأدى ذلك الى وقف الحروب او خفض منسوبها وحدتها وعرف العالم اثر حرب العراق تراجعا في وتيرة الغزو الأمريكي خصوصا والغربي عموما وتضاءل دور الالة العسكرية. لقد بان من خلال حرب العراق ان الإنسانية قادرة على فعل الكثير في مواجهة الحرب التي تقودها حكومات تعلي منطق المصلحة والربح والتحالفات.

هذه المرة وفي هذه الحرب غير المتكافئة وغير العادلة بين المقاومة والكيان، فوجئنا او نكاد بموقف غربي غير المتعارف عليه. رغم حجم الجرائم كانت المواقف محتشمة الى درجة انها لم تفلح في اقناع الحكومات حتى بهدنة إنسانية. ضعف الحرجة الاحتجاجية الشعبية أدى الى تغول الحكومات التي مارست كل أنواع التصعيد.

+++++++++++

قد يكون الاعلام الغربي لعب دوره الدعائي في تحييد حركة الشارع الأوروبي عبر اقناع الافراد برواية مكذوبة حول تعرض الكيان للهجوم الباغي من المقاومة. نعم هكذا ودون خجل لم تهدا الالة الدعاية الصهيونية في بث الأكاذيب حول تعرض "مواطنين امنين" الى عدوان؟؟؟؟؟

تصورا مدى الوقاحة. ليسوا هم من اغتصبوا الأرض ولا من هجروا الملايين ولا هم من داس على قرارات الشرعية الدولية وليس هم من يمنع الناس من حقهم في التقرب الى مقدساتهم وليس هم من بنوا المستوطنات ولا من قتلوا وروعوا ولا من اطلقوا ايدي ميليشياتهم تستوطن دون هوادة بل هم فقط أبرياء؟؟ يا للصفاقة.

بعد حملة الاراجيف بدأت دوافع الحفاظ على الادنى المهني تجر عديد المحطات التلفزية الى تغيير وجهة خطابها حفاظا على ماء الوجه. وقد قامت قناة بي بي سي بالاعتذار على المغالطات التي رافقت تغطيتها مسيرات مساندة لفلسطين.

ورغم ما للإعلام من دور في صنع التمتلات التي تستند اليها المواقف والممارسات فانه من الصعب التصديق بان الدعاية الكاذبة كافية لوحدها لإغراق الضمير الإنساني في أوروبا في سبات عميق. المسالة أعمق واكاد ادعي ان الموقف الشعبي الاوروبي هو حصيلة منطقية للحداثة السائلة (زيغمونت باومان). وكما كانت الديمقراطية هي الثمرة السياسية للحداثة فان الديمقراطية السائلة هي الثمرة المفترضة للحداثة السائلة.

لو جاز لي ان اقترح ملامح هذه الديمقراطية السائلة فلن اتردد في القول انها ديمقراطية الهويات غير المتكلمة. "لقد نجحت سلطة راس المال الصناعي الى حد كبير في فرض الحصار الاستهلاكي المعمم على الفرد وفرضت السلطة السياسية مظاهر الانتماء والولاء وفرضت على المرء صورة نفسه" (توران) وبهذا الشكل تحول الفرد من ذات فاعلة في ثقافتها الى خاضع للنظم التعبوية.

عندما تفرغ الديمقراطية من شحنتها القيمية والإنسانية وتتحول الى مجرد اجراء لا يمكن ساعتها الحديث عن الديمقراطية بل نتحدث عن ديمقراطية جديدة سائلة يتحول خلالها المواطنون الذين يشكلون بشكل من الاشكال سلطة رقابة مراكز النفوذ في المجتمع، الى مجرد ناخبين. هؤلاء الناخبين يتحولون بدورهم الى اغلبيات تسيرها مصالح خصوصية وتكون قابليتها لتصديق خطاب شعبوي غير محدودة.

ان الديمقراطية بصيغها الحالية ما بعد حداثية هي من حملت ترامب الى سدة الحكم واتت بماكرون ليصفي كل مكتسبات الجمهورية الفرنسية. هي اذن ديمقراطية راس المال ومراكز النفوذ والاوليغارشيا. هذه الديمقراطية التي نحن بصددها في أضعف حالاتها لما تتعرض له من هجوم أساسه عدم الاعتراف بالحق في ابداء الراي والاجبار على تبني صيغة واحدة للحقيقة.

انه هجوم على الديمقراطية ممن يتحدثون باسمها. ويقول توران "تتعرض الديمقراطية من حين الى اخر الى هجمات تعيد تعريفها وافضل ما تتعرف به الديمقراطية في كل عصر من العصور هو الهجمات التي تشن عليها".

ويبدو ان الديمقراطيين سيعرفون انفسهم خلال الفترة القادمة بنحن من وقفنا ضد إبادة الفلسطينيين في غزة.