ثقافي

فيلم "قدر" لإيمان بن حسين: عندما تُحكم "الشبكات السرية" قبضتها على الشعوب العربية للتحكم في مصائرها

سيكون الفيلم الروائي الطويل "قدر" (The Sons Of The Lord) للمخرجة إيمان بن حسين متاحا في قاعات السينما بداية من اليوم الأربعاء 19 أكتوبر 2022، بعد أن تمّ تقديم عرضه ما قبل الأول مساء أمس الثلاثاء بقاعة الكوليزي في العاصمة بحضور طاقم الفيلم والصحفيين وعديد الوجوه السينمائية والفنية.

يحكي فيلم "قدر" في حوالي 100 دقيقة قصة طبيب تشريح يعمل ضمن شبكة سرية في إدارة دواليب الحكم وحياكة الدسائس بهدف تطويع النظام لخدمة قوى خارجية. وهذا الشريط من بطولة مهذب الرميلي والممثلة اللبنانية تقلا شمعون ووجيهة الجندوبي ومعز القديري ورابعة السافي ويونس الفارحي ومحمد الداهش و رياض حمدي.

وأوّل ما يلفت نظر المتفرج هو الاهتمام العميق من المخرجة بالصورة واللقطات في الفيلم، فهي بدت قاتمة سوداوية لتعكس الحالة النفسية للشخصيات وتخدم مضمون الفيلم وما يبرزه من صراع داخلي بين الشخصية وذاتها وبين الشخصيات في ما بينها وكذلك إبراز العنف والتعذيب المادي والنفسي والمأساة الإنسانية.

ولتجسيد هذا الصراع وحالة التمزق التي تعيشها الشخصية الرئيسية، لعبت المخرجة في الصورة على متناقضين اثنين هما ثنائية الضوء والظلمة في آن واحد. وقد لعبت الصورة القائمة على ثنائية الضوء والظلمة دلالات أخرى في الفيلم، فالظلمة موظفة بإحكام لتعبر عن الظلم والاستبداد والطغيان والسجن والعزلة، وأما الضوء فهو فسحة أمل للتحرر والانعتاق.

وليست قتامة الصورة وحدها معبرة عن معاني العنف وعن الصراع والسيطرة والتحكم في الشعوب الفقيرة وعن الحالة النفسية للشخصيات، إذ كثّفت المخرجة من اللقطات القريبة والقريبة جدا حتى تكون مقاصدها وفية لمعاني الصراع ورمزيتها من عنف وقتل ودماء، فغاصت في أعماق الشخصيات وأبرزت بشاعتها في التحكم في دواليب الدولة من أجل حماية مصالحها مستعينة في ذلك بتجنيد بعض الأجهزة من أمن وقضاء وأطباء تشريح وسياسيين وإعلاميين، إذ لا مكان للقيم الإنسانية ولا مجال للاستقامة والوفاء، فمن أجل الحفاظ على السلطة قد تتم التضحية بالأبناء مثلما فعل طبيب التشريح (الذي لعب دوره الممثل مهذب الرميلي) الذي ارتكب جريمة قتل في حق ابنته لما أرادت كشف حقائق عن هذه الشبكة السرية.

وأظهرت المخرجة إيمان بن حسين في "قدر" الذي يعتبر فيلمها الطويل الأول في بداية مشوارها السينمائي، حبكة درامية في صياغة سيناريو العمل وأحداثه. فكان التشويق والانتقال السلس في الأحداث وفي المشاهد المصورة وكذلك في عناصر المفاجأة في التخلص من العقد، أهم السمات المميزة للحبكة الدرامية، فاستوفى الفيلم قاعدة البناء الثلاثي في السيناريو أي بداية ثم تتصاعد الأحداث إلى مرحلة الذروة فتصل إلى ما يشبه العقدة.

وأما الحبكة الدرامية من خلال عملية المونتاج، فأبرزتها المخرجة في تقنية "الفلاش باك" التي تعني في اللغة السينمائية استحضار الماضي صوتا وصورة. وقد وظفتها المخرجة بإحكام في استعادة طبيب التشريح لماضيه الطفولي وربطها بمنطق الأفعال التي مارسها بعد تجنيده في شبكة سرية، والكشف للجمهور أن حالة الجنون التي تسكنه يتعلق جزء منها بماضيه الطفولي. كما وظفت إيمان بن حسين تقنية "الفلاش باك" في إراحة المتفرج من عناء تتابع الأحداث التي كانت مأساوية وساخنة ويسير إيقاعها في خط تصاعديّ.

وحاولت إيمان بن حسين من خلال فيلمها "قدر" أن تسلط الضوء على الشبكات السرية الناشطة في الدول العربية لخدمة مصالح خارجية وتنبه من خطورتها على أمن البلدان وعلى شعوبها الطامحة إلى التحرر والانعتاق السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي.