ثقافي

المرأة الملك : القصة حقيقية والكذبة السوداء التي أسهمت في العبودية

خلال فعاليات مهرجان " تورونتو "  السينمائي سبتمبر  الماضي، عُرض الفيلم الأميركي "المرأة الملك" (The Woman King) بطولة فيولا دافيس وإخراج جينا برينس-بيثوود، ولاحقًا في أكتوبر الحالي بدأ العرض التجاري للعمل ليحقق سريعًا 67 مليون دولار، في مقابل ميزانية قدرها 50 مليون دولار.

ورغم الإعجاب النقدي بالفيلم وحصوله على معدل 94% على موقع "روتن توميتوز" (Rotten Tomatoes)، فإن بعض الأصوات خرجت منددة بالتغيير الكبير للحقائق التاريخية التي استند إليها الفيلم. ففي حين التزامه الدقة في جوانب، إلا أنه كتب تاريخا جديدا في جوانب أخرى، ليظهر وسم يطالب بمقاطعة فيلم المرأة الملك (#boycottthewomanking).

- مقاتلات باسلات غرب أفريقيا

تدور أحداث فيلم "المرأة الملك" في مملكة داهومي في غرب أفريقيا عام 1823، وفيه نتعرف على الجنرال نانسكا، زعيمة مجموعة المحاربات التي تسمى "أغوجي" (Agojie)، وفي بداية الفيلم تقوم هذه الفرقة بتحرير نساء داهومي اللاتي تم اختطافهن من قبل تجار العبيد من إمبراطورية أويو.

بعد عودتها، تبدأ نانسكا بتدريب جيل جديد من المحاربات للانضمام إلى "أغوجي" من أجل حماية المملكة، ومن بين هؤلاء المحاربات ناوي، وهي فتاة قوية الإرادة، لنكتشف بعد ذلك الصلات بينها وبين الجنرال، وكذلك الحرب التي يخوضها هذا الفيلق ضد تجارة العبيد التي تشارك فيها القبائل المختلفة. فكل قبيلة منتصرة تأخذ أسراها من الأخرى المهزومة وتبيعهم لتجار الرقيق.

تؤكد الحقائق التاريخية أن فوج "أغوجي" العسكري المكون من الإناث كان موجودًا بالفعل، وكان يحمل اسم "مينو" أو "أمهاتنا" وتمت الإشارة إليهن باسم "أمازونيات داهومي" من قبل الأوروبيين الغربيين الذين كتبوا عنهن.

كانت هذه الفرقة موجودة في معظم فترة وجود مملكة داهومي أي بين 1600-1904، وتشكلت خلال عهد الملك هويجبادجا (1645-1685) في أوائل القرن الـ18، وشاهدهن تاجر الرقيق الفرنسي جان بيير تيبو في ميناء داهومي عام 1725، وظهرن لأول مرة في التاريخ المكتوب عام 1729.

تقول إحدى النظريات إن إنشاء فوج عسكري من الإناث أصبح ضروريًا، بسبب العدد الكبير من الضحايا الذين كانت المملكة تعاني من فقدانهم في صراعات مع دول غرب أفريقيا المجاورة.

يبدو أن هذا تفسير منطقي لتوسع أغوجي في عهد الملك غيزو الذي قدمه في الفيلم الممثل جون بوييغا. وتشير نظرية أخرى إلى أن أصول "أغوجي" يمكن إرجاعها إلى صائدات داهومي الماهرات اللواتي عملن في فرق معروفة باسم "غبيتو" (gbeto). وفي وقت لاحق، تطورت "غبيتو" إلى "أغوجي" بعد أن تم تجنيدهن في البداية لوحدة حراسة القصر في أوائل القرن الـ18، وربما في عهد الملكة هنجاب (1708-1711)، وهذا منطقي نظرًا لأن الرجال كانوا ممنوعين من دخول حرم القصر بينما لم يسر المنع على النساء.

- تزوير التاريخ

في الفيلم، نانسكا هي القائدة العسكرية لفيلق النساء "أغوجي"، لكنها شخصية غير حقيقية فقد كتب ضابط بالبحرية الفرنسية -يدعى جان بابول- زار منطقة غرب أفريقيا عام 1889 عن مجندة مراهقة تدعي نانسكا اقتربت من سجين وقطعت رأسه.

فهذه الشخصية السينمائية من المفترض عاشت قبل هذا التاريخ، لكن هذا لا يمنع قيام صناع الفيلم باستلهام اسمها من هذه المراهقة.

كما أن شخصية فيولا ديفيس خيالية بشكل كبير عند مقارنتها بجنرالات داهومي الحقيقيات. فعلى سبيل المثال، عاشت الجنرال سيه دونغ هونغ بيه أغوجي خلال جزء على الأقل من عهد الملك غيزو، وعام 1851 قادت جيشًا من 6 آلاف محاربة من داهومي ضد قلعة إيغبا في أبيوكوتا من أجل الحصول على عبيد لتجارة الرقيق في داهومي.

هُزمت جيوش أغوجي في هذه المعركة لأن سيوفهم ورماحهم وأقواسهم كانت غير فعالة إلى حد كبير ضد مدافع إيغبا الأوروبية، بينما نجت حوالي 1200 محاربة فقط من المعركة الطويلة، ليتناقض ذلك مع موقف نانسكا المناهض للعبودية في الفيلم.

للإجابة عن سؤال مدى الدقة التاريخية لفيلم "المرأة الملك"، نجد تزويرا للحقائق التاريخية المتفق عليها لهذه الفترة، فعلى عكس ما ظهر في الفيلم من مناهضة نانسكا والملك للعبودية وظهورهما في موقف الأبطال، فإن سكان مملكة داهومي هم الأشرار فعلًا، فقد كان مجتمعًا متعطشًا للدماء مصممًا على الاستيلاء على المناطق الأخرى بالقوة.

لقد غزوا المناطق الأفريقية المجاورة وأخذوا مواطنيهم عبيدا، وباعوا كثيرا منهم في تجارة الرقيق في المحيط الأطلسي، في مقابل أشياء مثل البنادق والتبغ والكحول، انتهى المطاف بالعديد من العبيد الذين باعوهم في أميركا، كما احتفظوا ببعض العبيد لأنفسهم للعمل في المزارع الملكية، وتجارة الرق جلبت لداهومي معظم ثروتها.

لقد قاتلت المحاربات في غارات العبيد مع المقاتلين الذكور، وهناك روايات عن محاربي داهومي قاموا بغارات جمع العبيد على القرى، حيث قطعوا رؤوس كبار السن ونزعوا عظام الفك السفلي من الآخرين.

وخلال هذه المداهمات، كانوا يحرقون القرى تمامًا، وأولئك الذين تركوهم يعيشون -بما في ذلك الأطفال- تم أسرهم وبيعهم عبيدا، ويقلل الفيلم بشكل إستراتيجي من أهمية هذا الجزء من تاريخ داهومي.

فيلم "المرأة الملك" يريد التركيز على قصة مجموعة المقاتلات الأفريقيات الباسلات اللواتي أسهمن في تحسين حياة المملكة التي ينتمين إليها، لكن لأن هؤلاء النسوة مرتبطات بسلوك شائن مثل التشجيع على تجارة الرق، تم تغيير بعض الحقائق التاريخية حتى تكتمل الأسطورة بالبطولة ومحاربة العبودية.