آخر ساعة

إعفاء سيارات المغتربين المصريين من الضرائب لن يحل مشكلة الدولار

الشعب نيوز / وكالات . تفاقمت مشكلة نقص الدولار في مصر منذ مارس  الماضي نتيجة خروج أغلب الأموال الساخنة الأجنبية، وتحوّل صافي الأرصدة بين الأصول والالتزامات من العملات الأجنبية بالبنوك تجاه غير المقيمين جراء العجز ومواصلة الأسعار العالمية ارتفاعها عقب الحرب الروسية الأوكرانية، مما أعاد السوق السوداء للتعامل بالدولار وجعل الطلب يزداد على الاحتفاظ به والمضاربة فيه.

وكالعادة تلجأ السلطات إلى تقليل الواردات لأنها تمثل المكون الأكبر من المدفوعات للخارج، لكن ذلك تسبّب باضطراب في السوق نتيجة تكدس السلع المستوردة بالموانئ، بانتظار تدبير البنوك للدولار لإكمال إجراءات الإفراج عنها، مما منع وصول المواد الخام ومستلزمات الإنتاج إلى المصانع، وعطّل جانبا من الطاقات الإنتاجية ورفع أسعار تلك السلع بالأسواق.

لجأت السلطات إلى بيع حصص من الشركات العامة للصناديق الخليجية مقابل ديونها لمصر، لتقليل متطلبات خدمة الديون من أقساط وفوائد، وبلغت قيمة الحصص المبيعة بالشركات العامة لصندوقي أبو ظبى والسعودية نحو 3.1 مليارات دولار، بخلاف بعض المشتريات من حصص في شركات خاصة، الأمر الذي حدا بالسلطات إلى دعوة الدول الأجنبية المُقرضة لها لاستبدال ديونها باستثمارات.

وبمرور الشهور زاد نشاط السوق السوداء للدولار، لتستقطب جانبا من تحويلات المصريين بالخارج، على حساب إرسالها عبر البنوك المحلية، وزاد الطلب على الدولار للاحتفاظ به والمضاربة فيه في ضوء استمرار الانخفاض التدريجي لسعر صرف الجنيه المصري أمام الدولار الأميركي.

ومن ثم زاد العجز بالعملات الأجنبية في الجهاز المصرفي حتى بلغ 20 مليار دولار في أوت الماضي ، ومع زيادة حدّة الأزمة في الأسابيع التالية اضطرت السلطات إلى إصدار إجراءات أخرى متتالية.

- عوائد منخفضة لحسابات التوفير الدولارية

منها رفع أسعار الفائدة على الودائع بالعملات الأجنبية في الثلث الأول من أكتوبر بعد أن ظلت ثابتة طوال شهور الأزمة، في محاولة منها حينذاك لإيجاد فارق متسع بين سعر الفائدة المرتفع على الودائع بالجنيه المصري، والفائدة الأقل على الودائع بالعملات الأجنبية لتقوية مركز الجنيه أمام الدولار، لكن انخفاض الجنيه أمام الدولار تتابع حتى بلغت نسبة الانخفاض 25% منذ مارس حتى بدايات أكتوبر.

وهذا جعل حملة الدولار لا ينظرون إلى الفارق بين سعر الفائدة على الجنيه والدولار، الذي يعد أقل كثيرا من نسبة تغير سعر الصرف، فضلا عن توقعهم لخفض أكبر لقيمة الجنيه أمام الدولار حسب مطلب صندوق النقد الدولي، مما جعل السلطات تسعى لاستقطاب جانب من تلك الدولارات للبنوك بسعر فائدة أعلى، بخاصة أن الفائدة على الودائع بالعملات الأجنبية بمصر كانت أقل من أسعار الفائدة على تلك العملات في بلادها، بعد زيادات أسعار الفائدة بها في العام الحالي.

وحتى بعد الزيادة الجديدة سيظل جانبا من حائزي الدولار محتفظين به بعيدا عن البنوك، للاستفادة منه في البيع والشراء وتحقيق مكاسب جيدة، بينما يتطلب الحصول على عائد 5% عليها الاحتفاظ بها في البنوك لمدة 3 سنوات، وهو أمر يمكن أن يلقى قبولا بعد استقرار سعر الصرف، كما سيحتفظ كثيرون بالدولار لشراء احتياجاتهم من الخارج بعد التضييق على استخدام بطاقات الائتمان.

كذلك حسابات التوفير بالدولار الأميركى التي تتراوح فائدتها بعد الرفع بين 1.3% حتى 2%، حسب قيمة مبلغ الإيداع وحسب دورية صرف العائد، ما زالت أقل من سعر الفائدة على الدولار بالولايات المتحدة البالغة حاليا ما بين 3% إلى 3.25%.

أما الإجراء الثاني فتمثل في تقييد استخدام بطاقات الائتمان المملوكة للمصريين لدى وجودهم بالخارج، بخفض حد السحب النقدي الشهري إلى 250 دولارا، وأكثر من ذلك قليلا للمشتريات ومعاملات الخدمات وهو إجراء سبق تطبيقه في عام 2016، لكن أثره ليس كبيرا فقد بلغت قيمة مدفوعات المصريين في الخارج من خلال بطاقات الائتمان بالعام المالي 2020/2021 نحو مليار و719 مليون دولار حسب البيانات الرسمية، وبالطبع فإن التعاملات بالبطاقات ستقلّ قيمتها لكنها لن تتوقف.

- حساب تراكمي للضرائب على السيارات

الإجراء الثالث كان الإعلان عن إعفاء سيارات المغتربين المصريين بالخارج من الجمارك والرسوم الضريبية، مقابل إيداع قيمة تلك الجمارك والرسوم الضريبية بالدولار بحساب لوزارة المالية في أحد البنوك، لمدة 5 سنوات بلا فوائد على أن يتم الحصول على المبلغ بالعملة المحلية بعد السنوات الخمس بسعر الصرف حينذاك.

وبالفعل كانت هناك مطالب قديمة للمصريين بالخارج بتسهيلات لإدخال سياراتهم إلى البلاد، لكن ما حدث بعد ذلك الإعلان الذي لم يتحول بعد إلى إجراء قانوني واضح الملامح، هو موجة التفاؤل بشأن عدد السيارات المتوقع دخولها البلاد في إطار تلك التيسيرات التي سمحت للمغترب بإدخال سيارات يمكن مرور 3 سنوات على تاريخ "موديلها"، وإمكان إدخال الأسرة عدد سيارات بعدد أفرادها  البالغين، وإمكانية بيع السيارة في اليوم التالي لإدخالها إلى البلاد.

توقع البعض بلوغ عدد تلك السيارات مليوني سيارة، بينما توقع وزير المالية بلوغها نحو نصف مليون سيارة، وهي تقديرات متفائلة حيث لا يوجد عدد رسمي للمصريين في الخارج، وما يتردد عن كونهم 10 ملايين أو أكثر مجرد تقديرات، وأيا كان العدد فإنه يضم الزوجات والأبناء المرافقين، كما لا توجد بيانات عن الشرائح الاقتصادية لهؤلاء، بخاصة العمالة الحرفية البسيطة، فإدخال سيارة من الخارج أصبح أمرا مكلفا لا يقدر عليه كثيرون.

يتطلب إدخال سيارة حسابا تراكميا للضرائب والرسوم، فمع سيارة ذات منشأ كوري أو ياباني أو أميركي ذات سعة لترية حتى 1600 سي سي، أولا مطلوب دفع 40% من ثمن السيارة كضريبة جمركية عليها، ثم دفع نسبة 3% كرسم لتنمية الموارد على مجمل ثمن السيارة والضريبة الجمركية معا، ثم دفع ضريبة تسمى ضريبة جدول بنسبة 1%.

على مجمل المكونات الثلاثة: قيمة السيارة والضريبة الجمركية وقيمة رسم التنمية معا، ثم ضريبة القيمة المضافة بنسبة 14% على مجمل المكونات الأربعة السابقة معا، وهي قيمة السيارة والضريبة الجمركية ورسم التنمية وضريبة الجدول.

- بيع 158 ألف سيارة مستوردة العام الماضي

ومع زيادة السعة اللترية من 1600 سي سي حتى 1999 سي سي، ترتفع ضريبة الجمرك إلى 135% من قيمة السيارة، كما ترتفع ضريبة الجدول إلى 15% من قيمة كل من ثمن السيارة والضريبة الجمركية ورسم التنمية معا.

ومع السعة اللترية من 2000 سي سي فأكثر، ترتفع نسبة رسم التنمية إلى 8.5%، وترتفع نسبة ضريبة الجدول إلى 30%، وكلها يتم حسابها تراكميا، وذلك يعني أنه في حالة استيراد سيارة قيمتها نصف مليون جنيه ذات سعة أكثر من 2000 سي سي، ستصل قيمة الرسوم والضرائب عليها إلى مليون و389 ألف جنيه، موزعة بين 675 ألف جنيه ضريبة جمركية، ونحو 100 ألف رسم تنمية وقرابة 382 ألف ضريبة جدول و232 ألف جنيه ضريبة قيمة مضافة.

وهي قيمة قد لا يستطيع كثير من المغتربين دفعها، فما بالنا بضرائب السيارات الأكثر سعرا، مع وجود أولويات لدى البعض لشراء قطعة أرض لبناء منزل عليها أو شراء منزل للإقامة فيه، مما يعزز المكانة الاجتماعية وسط الأقران، بينما أصبح امتلاك سيارة أمرا مكلفا مع ارتفاع أسعار الوقود وقطع الغيار، والرفع المستمر لرسوم الترخيص السنوي ومشتملاته المتعددة.

وحسب مجلس معلومات سوق السيارات (أميك)، فقد بلغ عدد السيارات "الملاكي" المستوردة التي بيعت في العام الماضي 158 ألف سيارة مقابل 57 ألف سيارة من التصنيع المحلي، من إجمالي 215 ألف سيارة خاصة بيعت. وأشارت بيانات جهاز الإحصاء إلى بلوغ قيمة السيارات الخاصة المستوردة في العام الماضي 3 مليارات و575 مليون دولار، مقابل مليارين و766 مليون دولار في العام السابق.

وفى حالة تحقق تقديرات وزير المالية بدخول نصف مليون سيارة، فإن قيمة جماركها ورسومها ستصل، حسب قوله، إلى 2.5 مليار دولار، إلا أن هذا الرقم في حالة تحققه سيكون غالبا لمصلحة شراء سيارات لبيعها لآخرين، لكنه سيضيف أعباء على حالة المرور بالشوارع المكدسة أصلا.

وهذا سيضيف أعباء أخرى على طاقة التخزين للسيارات المستوردة بالموانئ والتي تعاني من التكدس حاليا، وسيرتب أعباء إضافية لإدارات المرور المزدحمة أصلا، ويتسبب في مزيد من العوادم وتلويث البيئة وهو ما يتعارض مع تبنّي مصر لعقد مؤتمر المناخ العالمي في الشهر القادم.

لكن استفحال أزمة الدولار الذي جعلها تبيع الغاز الطبيعي الأقل تلوثا للخارج، وتستبدله بالمازوت الأكثر تلويثا بمحطات إنتاج الكهرباء؛ يجعلها لا تمانع من أجل مزيد من الدولارات أن تتنازل عن شرط استيراد سيارة بنفس سنة الموديل، بسيارات مستعملة 3 سنوات أكثر إنتاجا للعوادم.