ثقافي

رغم الطبيعة والأماكن التاريخية.. لماذا يهرب صناع الدراما والسينما من التصوير في مصر؟

لقرابة قرن من الزمان مثلت صناعة السينما والدراما جانبا مهما من قوة مصر الناعمة في محيطيها العربي والإقليمي، إلا أن هذا الدور تراجع بشكل متسارع في السنوات الأخيرة، حتى بات مهددا بالانتهاء لصالح دول أخرى.

ومنذ سنوات يطالب صناع السينما بتذليل العقبات أمام تصوير الأعمال العالمية في مصر؛ من قيود رقابية وأمنية وارتفاع رسوم التصوير والجمارك الباهظة على معدات التصوير، فضلا عن حظر التصوير في أماكن عدة، مما أضاع على الدولة دخلا يقدر بملايين الدولارات ودعاية لا تقدر بثمن.

وطالت العوائق مؤخرا صناع الدراما المصريين أنفسهم من منتجين وفنيين وحتى ممثلين، فاتجه كثير منهم إلى دول عربية مجاورة لغزارة إنتاجها أو التسهيلات والإغراءات التي تقدمها، التي نجحت سابقا من خلالها في جذب صناع الأعمال العالمية للتصوير في أراضيها.

- هجرة الكوادر

قبل أيام، أعاد المخرج عمرو سلامة فتح الملف المثير للجدل بعد حديثه عن ظاهرة هجرة الكوادر المصرية من فنانين ومخرجين وشركات إنتاج إلى دول عربية مثل السعودية ولبنان.

وحذر سلامة ( عبر صفحته على فيسبوك) من أن هذه الهجرة تضعف صناعة الدراما المصرية، التي كانت تمثل مصدرا للدخل وقوة ناعمة لأكثر من 100 عام، وهو الأمر الذي ستكون له تأثيراته السلبية على الاقتصاد المصري.

تصريحات سلامة أثارت جدلا كبيرا، خاصة بعد أن أكدها عدد من العاملين في الحقل الفني، ومنهم الممثل سليمان عيد، الذي علّق بأن أغلب أعماله خلال العام الماضي كانت في السعودية، متحسرا على ضعف الإنتاج المصري، مقارنة بفترات سابقة كانت تشهد عرض 32 عملا مسرحيا في القاهرة والإسكندرية في وقت واحد.

- صناعة تتراجع

وخلال السنوات الأخيرة، خرجت العديد من شركات الإنتاج من المنافسة في سوق السينما والدراما المصرية على السواء، نتيجة الأزمة الاقتصادية وارتفاع التكاليف الإنتاجية، سواء أجور النجوم أو رسوم التصوير وتكاليف المعدات والضرائب، في الوقت الذي تتراجع فيه عائدات الإعلان، فضلا عن ضغوط الرقابة على الأعمال الفنية.

واحد من الأسباب التي يتهامس بها بعض العاملين في الحقل الفني من دون التصريح بها علنا، هو ما يصفونها بسياسة "الاحتكار" التي تنتهجها الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية التي أصبحت المنتج الوحيد لمعظم الأعمال الفنية، مع ترك هامش ضئيل لشركات أخرى.

ويقول المنتقدون إن الشركة انتهجت سياسة تقليل عدد الأعمال الدرامية، وتقليص الميزانيات الإنتاجية وخفض سقف الأجور، والاستعانة بمجموعة معينة من الممثلين والكوادر الفنية واستبعاد مجموعات أخرى، وفي الوقت ذاته أخرجت العديد من شركات الإنتاج من المنافسة؛ مما أدى إلى ظهور بطالة بين الفنانين، وخروج بعضهم يشتكي علنا، في حين اتجه عدد منهم للعمل خارج مصر.

- هروب الأعمال العالمية

وجدد المخرج المصري عمرو سلامة  الحديث عن المعوقات التي تواجه تصوير الأعمال العالمية في مصر، واتجاهها بدل ذلك إلى دول أخرى مثل تونس والسعودية وتركيا، فضلا عن الأردن والمغرب.

تحذيرات سلامة لم تكن الأولى، فقد تحدث قبل أشهر عن المعوقات التي تواجه تصوير الأعمال السينمائية والدرامية في مصر، وعلى رأسها التصريحات التي يجب الحصول عليها من جهات عدة، وتصل إلى 7 جهات؛ بينها وزارتي الداخلية والسياحة المصرية.

ومنذ عام 2014، خرجت العديد من التصريحات الحكومية الرسمية حول السعي لتذليل العقبات أمام تصوير الأفلام والمسلسلات، وتنفيذ سياسة "الشباك الواحد" للحصول على التصاريح اللازمة، إلا أن الأزمة لا زالت قائمة.

وتسبب الروتين والإجراءات التعسفية وصعوبة الحصول على التراخيص في هروب العديد من الأعمال العالمية المميزة من التصوير في مصر، كان أشهرها وأقربها مسلسل "فارس القمر" (Moon Knight) التابع لسلسلة "مارفل" العالمية، الذي أخرجه المخرج المصري محمد دياب، وبدأ عرضه في 30 مارس 2022.

وذكر دياب في تصريحات إعلامية سابقة أنه كان يسعى بقوة لتصوير العمل في مصر لإظهارها بشكل حقيقي وواقعي بدل التصوير في المغرب أو الأردن أو إسبانيا كما حدث في أعمال أخرى.

وأشار إلى أنه نجح في إقناع الشركة المنتجة برغبته في التصوير بمصر رغم الاعتراضات الأولية وإبلاغه بأن مصر في "القائمة السوداء" لصعوبة إجراءات التصوير فيها.

لكن محاولات دياب استخراج التصاريح اللازمة للتصوير في مصر باءت بالفشل، حيث استغرقت وقتا طويلا للغاية؛ مما دفعه إلى تغيير مكان التصوير إلى المجر، مع بناء ديكورات مشابهة للموجودة في مصر.

وأبدى المخرج المصري أسفه على خسارة مصر مبالغ باهظة تصل إلى 3 مليارات جنيه (160 مليون دولار) التي تم صرفها في بودابست بالمجر، فضلا عن ضياع دعاية مجانية بالمليارات لتصوير أحد أعمال "مارفل" في مصر.

وسبق تصوير العديد من الأفلام والمسلسلات العالمية في دول أخرى بدل مصر، رغم أن جزءا من أحداثها يدور في مصر، ومن أشهرها فيلم "المريض الإنقليزي"، الذي نال 9 جوائز أوسكار عام 1996، وبينها جائرة أفضل فيلم، ولجأ مخرجه البريطاني أنتوني مانجيلا إلى تونس لتصوير المشاهد التي تدور في مصر.

كما تم تصوير المشاهد المصرية في فيلم "وندر وومن 1984" (2020) في إسبانيا، وفيلم "المومياء" (1999) في المغرب وإنقلترا، و"عودة المومياء" (2001) في المغرب والأردن، بالإضافة إلى أفلام أخرى مثل "مهمة كليوباترا" (2002) و"نزهة عند أوزيريس" (2001) والفيلم الوثائقي "نابليون وجوزفين: قصة حب" (2012) تم تصويرها في المغرب.

- معوقات رغم الإمكانات

ورغم امتلاك مصر مواقع تصوير طبيعية ساحرة ومتنوعة، فضلا عن المناطق التاريخية والأثرية التي تجسد حقبا وحضارات مختلفة، فإن صعوبة الإجراءات وارتفاع التكلفة يدفعان صناع الأعمال الأجنبية إلى البحث عن بديل أسهل وأرخص.

فبينما تواجه شركات الإنتاج صعوبات في التصوير في الأماكن التاريخية الجذابة مثل الأهرامات والمعابد الفرعونية، استغلت دول أخرى مثل المغرب الفرصة وصممت مدينة فرعونية فيها مجسم للهرم وتمثال أبو الهول لجذب هذه الشركات إليها، فضلا عن التسهيلات الكبيرة التي تقدمها من تصاريح التصوير والجمارك وتوافر المعدات السينمائية والعمالة المدربة بأسعار تنافسية جذبت إليها مئات الأعمال الأجنبية سنويا.

وفي الوقت الذي تُضاعف فيه مصر رسوم التصوير التي وصلت إلى 100 ألف جنيه لتصوير اليوم الواحد في شوارع العاصمة القاهرة نجد دولا أخرى مجاورة مثل السعودية تقدم إغراءات كبيرة لصناع السينما، ومنها إعلان الهيئة السعودية للأفلام تكفل المملكة بما يصل إلى 40% من ميزانية الأفلام التي تصور على أراضيها وفقا لمعايير محددة.

وإلى جانب الرسوم الباهظة للتصوير، يشتكي كثيرا صناع الأعمال الفنية من الجمارك التي تتحكم في دخول المعدات، وتفرض عليها رسوما باهظة، مما يدفعهم إلى الهروب من التصوير في مصر.